jeudi 14 mai 2020

التأمينات العينية: آثار الامتيازات (الأفضلية والتتبع)


الجزء الثالث: آثار الامتيازات

تتمحور هذه الآثار حول اثنين: أثر ثابت وهو حق الأفضلية (العنوان الأول) وأثر قابل للنقاش وهو حق التتبع (العنوان الثاني).

              العنوان الأول: حق الأفضلية
صحيح أن الامتياز هو سبب من أسباب التفضيل يخول صاحبه استخلاص دينه قبل غيره من الدائنين.   غير أنه، خلافا لما يمكن أن يتبادر إلى الذهن، ليست الأمور في الواقع بهذه الدرجة من البساطة، إذ يعتبر تحقيق أفضلية الامتيازات وتحديد رتبتها من أعقد المسائل القانونية المطروحة في مادة التأمينات العينية نظرا لكثرة النصوص المتعلقة بهذه المسائل وتشعبها وفقدان الحلول الحاسمة أحيانا نتيجة غموض النص تارة أو غيابه تارة أخرى. كما أن أفضلية الديون الممتازة تختلف بحسب ما إذا كان تزاحمها قائما في إطار التتبعات الفردية أم الجماعية. ويفرض هذا التمييز بين نوعي الإجراءات نفسه فرضا لأن المشرع أفرد الدائنين في ميدان التنفيذ الجماعي (الفرع الثاني)، بمختلف أنواعهم، بترتيب خاص في الفصل 569 من المجلة التجارية مختلف عن الترتيب المنطبق في إطار التنفيذ الفردي (الفرع الأول).


 الفرع الأول: الأفضلية في إطار التنفيذ الفردي
لتحديد أفضلية الامتيازات في إطار التنفيذ الفردي، يتجه الانطلاق من النص الاساسي في هذا المجال وهو الفصل 195 م ح ع الذي تضمن ما يلي: "الدين الممتاز مفضل على غيره من الديون وحتى الديون الموثقة برهن عقاري.
وتفضيل بعض الدائنين الممتازين على بعض يعتمد على اختلاف صفات الامتيازات".

ويلاحظ انطلاقا من هذا النص أن المشرع تناول في مرحلة أولى أفضلية الامتياز عند تزاحمه مع الديون الأخرى غير الممتازة (الباب الأول) وتحدث في مرحلة ثانية عن الأفضلية عند تزاحم الامتيازات فيما بينها (الباب الثاني).

الباب الأول: الأفضلية عند تزاحم الامتياز مع الديون غير الممتازة

تبدو الحلول سهلة في هذا المجال بما أن الفصل 195 في فقرته الأولى كان واضحا لمّا اعتبر أن الدين الممتاز مفضل على غيره من الديون وحتى على الديون الموثقة برهن عقاري. وتطبيقا لهذه القاعدة فان الدائن الممتاز تكون له الأولوية على كل من الدائن العادي والدائن المرتهن لعقار والدائن المرتهن لمنقول فضلا عن الدائن الحابس. وتشديدا على ذلك استعمل المشرع حرف التأكيد "حتى" لرفع أي اشتباه أو شك في الافضلية التي يتمتع بها الدين الممتاز إزاء سائر الديون الأخرى. ويرتكز هذا التفوق على عنصر "صفة الدين" في الامتياز، إذ أن الاعتبارات والأسباب المختلفة التي أملت على المشرع إقرار حقوق الامتياز وإيثار بعض الديون على بعض هي نفسها التي فرضت عليه منحه الأفضلية على بقية الديون الأخرى مهما كانت طبيعتها.
ومع ذلك، وجب التنبيه إلى أن أفضلية الدين الممتاز وإن كانت محققة فهي ليست مطلقة. ذلك أن المشرع أدخل بعض الاستثناءات على قاعدة الفصل 195 م ح ع وإن كانت قليلة. جاء أولها بموجب الفصل 65 من مجلة التجارة البحرية الذي نص في فقرته الثالثة على أن الرهن البحري مقدم دائما على الامتيازات غير البحرية عامة كانت او خاصة. وثانيها، بمقتضى الفصل 17 من القانون المنظم لرهن أدوات ومعدات التجهيز المهنية الذي اقتضى ان هذا التامين يتمتع "بالأولوية على كل الامتيازات الأخرى باستثناء امتياز المصاريف المبذولة للحفاظ على الأدوات والمعدات المرهونة ومستحقات العملة والمستخدمون من الأجور غير الخالصة". كما يشار الى عدد من القوانين القديمة التي نصت على غلبة بعض الرهون الخاصة على الامتيازات كالفصل 3 من الأمر المتعلق برهن منتوجات المناجم والفصلين 3و4 من الأمر المتعلق بالرهن الفلاحي والفصل 9 من الأمر المتعلق بوران المخازن العمومية والفصل 13 من الأمر المنظم للواران الخاني والفصل 12 من الأمر المتعلق بالوران الصناعي، ثم استثنت بعض الامتيازات التي تضمن عموما ديون الخزينة او الحفظ او الأجراء.
وتعكس مختلف هذه النصوص رغبة المشرع في حماية بعض التأمينات خدمة لغايات وأهداف أخرى كتشجيع التجارة والمبادلات الدولية بتفضيل حقوق الدائن في الرهن البحري او حثّ المزودين على تمكين الحرفيين او المهنيين الشبان من بعث مشاريعهم الاقتصادية بتوثيق ديونهم برهن على المعدات او الآلات المبيعة مع تفضيلها على غيرها من الحقوق !!

الباب الثاني: الأفضلية عند تزاحم الامتيازات فيما بينها

توجد ثلاثة أشكال للتزاحم داخل الامتيازات:
- تزاحم الامتيازات العامة فيما بينها (الفقرة الأولى).
- تزاحم الامتيازات الخاصة فيما بينها (الفقرة الثانية).
- تزاحم الامتيازات العامة مع الامتيازات الخاصة (الفقرة الثالثة).

الفقرة الأولى: تزاحم الامتيازات العامة فيما بينها

هو تزاحم حتمي باعتبار ان الامتيازات العامة تقع على نفس المحل وهو مكاسب المدين وأمواله برمّتها. وبما أن الامتيازات العامة تتزاحم بالضرورة فيما بينها فقد حرص المشرع على ترتيبها معتمدا في ذلك على معيار صفة الدين. بمعنى أن المشرع إذ أحدث الامتيازات العامة بناء على اعتبارات ومبررات قدّرها، تولى أيضا تحديد رتبتها اعتماداعلى نفس المعيار. وكلّما كانت صفة الدين أقوى وأعلى شأنا في نظر المشرع، كلّما كانت رتبة الامتياز أسمى وأرفع.
وهذا ما نلاحظه في الفصل 199 م ح ع الذي يعد أهم نص منظم للامتيازات العامة. وفعلا فقد تولى المشرع صراحة في هذا النص بيان درجات الامتياز على النحو التالي: في أعلى الترتيب نجد مصاريف تجهيز الميت ثم مصاريف التداوي ثم المصاريف القضائية ثم ديون الخزينة العامة وفي الأخير الامتيازات ذات الصبغة المعاشية.
ويعدّ الفصل 199 م ح ع بهذا المعنى نصا مرجعيا باعتبار أنّ بقية النصوص المتعلقة بالامتيازات العامة تحيل إليه إمّا صراحة أو ضمنيا. وجاءت هذه النصوص على نوعين: بعضها تقيّد بترتيب الفصل 199 وبعضها الآخر غيّره وعدّله.
ويشمل النوع الأول خصوصا النصوص المتعلقة بامتياز الخزينة العامة كالفصل 115 من مجلة معاليم التسجيل والطابع الجبائي (م ت ط ج) والفصل 318 من مجلة الشغل (م ش) وكذلك الفصل 33 من مجلة المحاسبة العمومية (م م ع) الذي أقر في فقرته الأولى امتيازا عاما لفائدة الدولة والمؤسسات العامة الإدارية لاستخلاص ديونها على الغير، ثم نص صراحة في فقرته الثانية على أنّ هذا الامتياز يحتل الرتبة المنصوص عليها بمجلة الحقوق العينية. مع الإشارة إلى أن الفصل 351 من مجلة الديوانة يحيل إلى الفصل 33 م م ع متبنيا بمقتضى ذلك نفس الرتبة المقررة لديون الدولة في الفصل 199 م ح ع.

أمّا في خصوص النوع الثاني فيمكن أن نشير إلى نصّين: أولا، الفصل 66 من مجلة التأمين الذي اقتضى أن الامتياز العام للمنتفعين بعقود التأمين يقدم على الامتياز العام للخزينة خلافا لما تضمنه الفصل 199 من مجلة الحقوق العينية. وثانيا، الفصل 151 -2 م ش، المتعلق بامتياز الأجراء والذي يستفاد منه أنّ أجور العمال تحتل في جزئها غير القابل للعقلة الرتبة الأولى قبل أي امتياز آخر وفي جزئها المتبقي الرتبة الرابعة في الفصل 199 م ح ع قبل المبالغ المستحقة للخزينة. ونتيجة لهذين النصين سوف تتأخر رتبة امتياز الخزينة لفائدة كلّ من امتياز الاجراء بنوعيه المدعم والعادي وامتياز المنتفعين بعقود التأمين.

ولا تفوت الإشارة في هذا السياق إلى أن عدة نصوص أخرى في مجال الإجراءات الجماعية أدخلت تغييرا على الترتيب المقرر في الفصل 199 م ح ع ومن بينها نصوص تتعلق بامتياز الأجراء ذاته. وهذا ما سنتناوله لاحقا في نطاق الفرع الثاني. وفي انتظار ذلك، يتجه إبداء بعض التوضيحات حول تطور هذا الامتياز للمساعدة على فهمه.  فقد تم إقراره امتياز الأجراء سنة 1906 في الفصل 1630 م اع الذي منحه الدرجة الرابعة في ترتيب الامتيازات قبل امتياز الخزينة. ثم جاء الأمر العلي المؤرخ في 27 جانفي 1955 ومنحه الرتبة الأولى لضمان الجزء من الأجور المبين بالفصل الثاني منه في صورة التصفية العدلية او التفليس. وبذلك ظهرت التفرقة بين الامتياز العادي للأجور (الفصل 1630 م اع) والامتياز المدعّم (Le super privilège) (أمر 1955). واستقرت هذه التفرقة بعد الاستقلال باعتبار أنّ المجلة التجارية الصادرة سنة 1959 ميزت بين الامتياز المدعّم الذي يشمل الجزء غير القابل للعقلة من مستحقات الأجير (الفصل 564م ت) والامتياز العادي الذي يضمن خلاص بقية المستحقات (الفصل 566 م ت). ثم تأكدت هذه الازدواجية بدخول مجلة الحقوق العينية حيّز التنفيذ بما أنها كرّست في الفصل 199 الامتياز العادي للأجور مع الحط من درجته إلى الرتبة الأخيرة بعد امتياز الخزينة حال انه كان يسبقها. ولعلّه يمكن تفسير تفوق امتياز الخزينة بطبيعة النظام الاقتصادي المتبع في الستينات من القرن الماضي، وهو نظام موجه يقوم على دعم الدولة التي تعتبر المشغل الرئيسي للأفراد بما أنها هي التي تتكفل بتوفير مواطن العمل والنهوض بالسياسة الاجتماعية للبلاد، ومن ثمّ كان لزاما أن تتقدم على العامل. لكن السياسة الاقتصادية تغيرت في تسعينات القرن العشرين تماشيا مع التوجه اللّبرالي والتحرري، مما أفضى إلى تناقص التدخل المباشر للدولة أمام امتداد وتوسع الاقتصاد الخاص والمبادرات الفردية. وهذا ما أوجب نظرة حمائية أقوى وأنجع لفائدة الأجراء تبلورت بوضوح في تأخر رتبة امتياز الخزينة وتدعيم رتبة امتياز الأجراء بموجب الفصل 151-2 م ش. وما يؤكّد هذا التدعيم أن المشرع وسّع في نطاق الامتياز المدعّم للأجور ليشمل مادة التنفيذ الفردي بعد ان كان مقتصرا بمقتضى الفصل 564 م ت على الميدان التجاري في إطار الفلسة فحسب. لكننا سنرى أن موقف المشرع تغير بموجب القانون المؤرخ في 29 أفريل 2016 المتعلق بالإجراءات الجماعية حيث ستتقهقر  رتبة الامتياز العادي للأجراء إلى ما بعد رتبة امتياز الخزينة العامة عملا بالفصل 571 من المجلة التجارية.
الفقرة الثانية: تزاحم الامتيازات الخاصة فيما بينها

خلافا لمادة الامتيازات العامة، فان تزاحم الامتيازات الخاصة فيما بينها هو تزاحم استثنائي وليس حتميا. ولذلك فإن أغلب النصوص المحدثة لامتيازات خاصة لم ترتّبها. وفعلا، فالامتيازات الخاصة تتسلط على مكاسب وأموال مختلفة منقولة وعقارية، ولا يتصور مثلا، تزاحم امتياز خاص على عقار (امتياز التحيين) مع امتياز خاص على منقول (امتياز بائع الأصل التجاري) أو تزاحم امتياز خاص على منقول (امتياز بائع العربات) مع امتياز خاص آخر على منقول (امتياز بحري). ومادام التزاحم مفقودا فلا حاجة إذن للترتيب.
ومع ذلك، لا شيء يمنع في الواقع من حصول تنافس بين امتياز على عقار وامتياز على منقول أو بين امتيازين خاصين على عقار أو على منقول. وعندئذ لا بد من إيجاد حلول لفضّ هذا التنافس. وهذا ما تصدى له شراح القانون انطلاقا من معيار صفة الدين المشار إليه بالفصل 195 م ح ع (فقرته الثانية) حيث ورد: "تفضيل بعض الدائنين الممتازين على بعض يعتمد على اختلاف صفات الامتيازات". وللوقوف على الاجتهادات الفقهية في هذا المجال، يتجه التمعن أولا في المعنى الدقيق لصفة الدين في الامتيازات الخاصة (أ) قبل النظر في كيفية ترتيب هذه الحقوق عند قيام تزاحم بينها(ب).

أ-معنى صفة الدين في الامتيازات الخاصة:
 يرى أغلب الشرّاح أن الامتيازات الخاصة تقوم على الأسس الثلاثة الآتية:

أولا – فكرة الرهن الضمني: والمقصود بهذه الفكرة هو ان الاعتبارات التي دفعت المشرع إلى تقرير عدد من الامتيازات الخاصة تستند أحيانا إلى أن الإرادة الضمنية للمدين اتجهت إلى تمكين الدائن من رهن خاص على المكاسب الراجعة له. وتتحقق هذه الفكرة أساسا في الامتيازات التي يتمتع أصحابها بسلطة مادية على أموال المدين محل هذه الامتيازات. وأبرز مثال على ذلك هو امتياز المكري الذي ينبسط على المحصول الناتج عن العين المكراة (صابة، غلة...) والمنقولات الموجودة او المتصلة بها (أثاث، معدات، آلات...). وتظهر السلطة المادية للمكري من خلال حق الحبس الذي يتمتع به على الأشياء المذكورة عملا بالفصل 788 م ا ع. وحق التتبع المخول له بمقتضى الفصل 200 (ثانيا) م ح ع في صورة خروج تلك الأشياء من العين مخادعة. كما تظهر فكرة الرهن الضمني بوضوح في امتياز عميل الوساطة وامتياز عميل نقل الأشياء بما أن أفضليتهما ترتبط بالحيازة الفعلية او الحكمية للبضائع المرسلة لهما او المودعة او المؤمنة عندهما.

ثانيا-فكرة إثراء ذمة المدين: وهي فكرة بسيطة مفادها انه إذا انتقلت ملكية مال معين من الدائن الى المدين فمن العدل والإنصاف ان يستوفي الدائن حقه من هذا المال قبل غيره من الدائنين بما انه هو الذي كان سببا في اغتناء ذمة مدينه به. وتبرز هذه الفكرة في الامتيازات التي أُقرّت لاستخلاص ديون ناشئة عن عمليات تفويت كامتياز بائع السيارات والجرارات وامتياز بائع البذور وامتياز بائع الأصل التجاري وامتياز مزودي الأشغال العامة وامتياز العقلة والتبتيت. وواضح ان الامتياز يضمن في كل هذه الصور ثمن التفويت. وهو ما من شأنه أن يشجع المفوّت على التعامل مع المفوّت له ومنحه الائتمان ويطمئنه على استخلاص دينه عندما يكون التزام المفوّت له بالدفع مؤجلا.

ثالثا-فكرة الحفظ: إذا كان من يثري ذمة غيره يتمتع بامتياز، فمن المنطقي ان يتمتع بمثل هذا الحق الدائن الذي يكون له الفضل في المحافظة على ذمة مدينه الإبقاء على مكوناتها وعناصرها سواء في منفعة المدين مباشرة كما هو الحال في امتياز مصاريف الجني عملا بالفصل 200 (أولا) م ح ع، او في منفعته هو وبقية الدائنين مثلما هو الشأن في امتياز مصاريف التوزيع والترتيب على معنى الفصول 480 و484 و488 م م م ت.
ويبقى بعد عرض الأسس المكونة لصفة الدين في الامتيازات الخاصة النظر في كيفية ترتيبها.

ب-ترتيب الامتيازات الخاصة:
 يختلف هذا الترتيب بحسب ما إذا كان التزاحم حاصلا بين امتيازات خاصة لها صفات مختلفة وأسس متباينة أو بين امتيازات مستندة إلى نفس الصفة والأساس.

3  في الصورة الأولى، يمكن تصور تزاحم بين امتياز قائم على فكرة الرهن الضمني مع امتياز قائم على فكرة إثراء ذمة المدين وامتياز قائم على فكرة الحفظ. ويحصل مثل هذا التزاحم إذا كان المدين مثلا فلاحا اكترى ارضا من دائن اول واشترى بذورا من دائن ثان واستعان بدائن ثالث في القيام بأعمال الجني. او كذلك إذا كان المدين تاجرا اشترى عددا من العربات من بائع (دائن اول) وأرسلها او أودعها لدى عميل وساطة (دائن ثان) لنقلها الا انه تمت عقلتها من قبل شخص ثالث تولى بيعها وإتمام الإجراءات اللازمة لتوزيع ثمنها فأصبح دائنا بمصاريف التوزيع والترتيب !! ففي المثال الأول يحق لكل دائن ممتاز استخلاص دينه من المحاصيل الفلاحية وفي المثال الثاني يشترك الدائنون في استيفاء دينهم من ثمن العربات.
ومع ان الاجتهادات تختلف وتتباين في هذا الصدد سواء في قانوننا او في القانون المقارن، الا ان أغلبها يتجه إلى تقديم الامتيازات المستندة إلى الحفظ على الامتيازات القائمة على الرهن الضمني، وهذه على الامتيازات القائمة على إثراء ذمة المدين.
ولا مانع من تبني هذا الترتيب، اذ من المنطقي ان تتفوق صفة الحفظ على الصفتين الأخريين لأنه لولاها لما تيسّر التنفيذ على المال محل الامتياز ولأن عمل الحفظ يستفيد منه جميع الدائنين زيادة على ان ديون الحفظ مقدمة على غيرها من الديون في عدة نصوص صريحة كالفصل 71 (اولا) م ت ب والفصل 199 (ثالثا) م ح ع والفصل 17 من القانون المتعلق برهن أدوات التجهيز والفصل 9 من امر 22 فيفري 1900 المنظم لوران المخازن العمومية. مما يبرر تعميم أفضليتها على غيرها من الامتيازات. اما تفضيل صفة الرهن الضمني على صفة الإثراء فتستوجبه سلطة الدائن الفعلية او الحكمية على محل الامتياز والتي تعزز مركزه إزاء دائنين آخرين يفتقدونها. مع الإشارة الى ان بعض الشراح لا يترددون في تطبيق قاعدة ان "الحيازة في المنقول سند للحائز" على الدائن الذي ينبني امتيازه على الرهن الضمني معتبرين ان من حقه التمسك بحسن نيته لإنكار كل الحقوق المترتبة على المنقول بما في ذلك الامتيازات الأخرى. الا انه لا مجال للأخذ بهذا الرأي، على الأقل في القانون التونسي نظرا لضيق مجال الفصل 53 م ح ع. بما انه لا يمكن ان يعتصم به إلا الحائزون بوجه الملكية دون اي وجه آخر.

3وأمّا في الصورة الثانية، فيمكن ان يقع التزاحم مثلا بين بائعي بذور متعددين (صفة إثراء الذمة) او بين مكري عقار وبين عميل وساطة (صفة الرهن الضمني) او بين دائن بمصاريف الجني ودائن بمصاريف التوزيع والترتيب (صفة الحفظ). وهنا يمكن تصور أحد حلين: حل أول يتمثل في تطبيق الفقرة الأولى من الفصل 196 م ح ع واعتبار ان الدائنين المتحدين في صفة الامتياز يتساوون في الرتبة، وبالتالي لا أفضلية لأحدهم على الآخر ولا ترتيب بينهم. وحل ثان يسعى إلى إيجاد ترتيب بين الامتيازات المذكورة على أساس صفة الدين.
ويتوقف الحسم في أحد هذين الحلين في الواقع على فهم أعمق للفصل 196 (فقرة اولى) م ح ع الذي اقتضى أنه "إذا تساوى الدائنون في رتبة الامتياز فلا أفضلية لأحدهم على الآخر"، اذ ما المقصود بالتساوي في الرتبة على معنى هذا النص: هل هو الاتحاد في صفة الامتياز باعتبار أن الفصل 194 م ح ع يعرّف الامتياز بصفته وان الفصل 195 (فقرة ثانية) م ح ع يربط الترتيب بالصفة مهما كان نوع الامتياز؟ أم المقصود هو الاتحاد في الرتبة بمعناها الضيق كما حددها المشرع؟؟
إذا تبنّينا الفهم الواسع، فهذا يعني ان التساوي يحصل في كل مرة تلتقي فيها صفة الامتيازات. وينتج عن ذلك ان الامتيازات المتحدة في الصفة تكون دائما متساوية في الرتبة ولا تخضع للترتيب إلا إذا اختلفت صفاتها. أي انه إذا تزاحم دائنون يقوم امتيازهم على فكرة الحفظ او فكرة الرهن الضمني او غيرها فانه لا ترتيب داخل المجموعة من الامتيازات القائمة على نفس الفكرة وإنما مساواة وتحاصص.
أمّا إذا أخذنا الرتبة في معناها الضيق أي الرتبة المنصوص عليها صراحة في نص القانون فهذا يعني ان الامتيازات المتساوية في الصفة يجب ترتيبها. وهو ما توخاه العديد من الشرّاح عند دراستهم للامتيازات الخاصة حيث فضلوا في نطاق امتيازات الحفظ، المصاريف الأخيرة باعتبار أنّ آخر دائن تولى الحفظ هو الأقرب إلى التنفيذ. وغلبوا في نطاق الامتيازات القائمة على الرهن الضمني، صاحب الحيازة الفعلية على من ليست له إلا حيازة حكمية. أما بالنسبة إلى الامتيازات القائمة على فكرة الإثراء فقد أعطوا الأولوية لمن كان أسبق تاريخا في إضافة المال.
وهذا الفهم أجدر بالتأييد في نظرنا لكونه يراعي قواعد تفسير النصوص القانونية المقررة في الفصل 532 م اع.

الفقرة الثالثة: تزاحم الامتيازات العامة مع الامتيازات الخاصة

يعتبر التزاحم بين الامتيازات الخاصة والامتيازات العامة تزاحما ضروريا بما ان صاحب الامتياز العام له الحق في التنفيذ على اي مال من أموال المدين بما في ذلك المكاسب التي يتسلط عليها الامتياز الخاص. ولما كانت نصوص القانون لا تتضمن حلا مبدئيا لهذا التنازع، فيمكن، في تصور أول، الاتجاه الى تغليب الامتيازات العامة اعتمادا على المبررات التالية:
1/ إنّ صفة الدين في الامتيازات العامة أقوى وأجلّ شأنا مما هو الأمر في الامتيازات الخاصة. فالاعتبارات التي تقوم عليها الامتيازات العامة لها صلة إما بالمصلحة العامة (امتياز الخزينة العامة) أو بدوافع إنسانية أو معاشية (امتياز الأجراء أو الأطباء...). أما الامتيازات الخاصة كامتياز بائع الجرارات أو الأصل التجاري او المكري فلا تهدف إلا إلى حماية مصالح خاصة. ومعروف أنه "إذا تعارضت منفعة عامة مع منفعة خاصة ولم يمكن التوفيق بينهما قدّمت العامة" (الفصل 557 م ا ع).
2/ إنّ وعاء الامتياز العام أي المكاسب التي يمتد إليها، هو أكثر شمولا واتساعا من وعاء الامتياز الخاص. ومن ثمّ يمكن القول بوجود رغبة ضمنية لدى المشرع في تمكين صاحب الامتياز العام من استيفاء دينه قبل صاحب الامتياز الخاص. ويتأكد ذلك باعتبار أن هناك من يرى أن صاحب الامتياز العام غير مقيد   بقاعدة التنفيذ الاحتياطي على المنقولات ويحق له التنفيذ على أي مال من أموال المدين، خلافا لصاحب الامتياز الخاص الذي قيّده الفصل 306 م م م ت بواجب عقلة المال موضوع الامتياز أولا فان لم يجده او لم يكن كافيا لخلاصه يمكن له بعد ذلك عقلة بقية المكاسب باعتباره دائنا عاديا لا غير.
 لكن الرأي السائد لدى الاجتهاد الفقهي يذهب الى تفضيل الامتيازات الخاصة على الامتيازات العامة استنادا إلى الحجج الآتية:
1/أن فكرة التخصيص تتوفر في الامتيازات الخاصة دون الامتيازات العامة. ويترتب على هذه الفكرة إقرار الطبيعة العينية للامتيازات الخاصة مقابل نفيها عن الامتيازات العامة. فتعتبر هذه الأخيرة مجرد أوصاف تلحق بعض الديون لتجعلها مفضلة على الديون العادية لا أكثر ولا اقل. أما الامتيازات الخاصة فهي حقوق عينية حقيقية بما أنها تتسلط على أشياء معينة بالذات. وغني عن البيان أن التنازع بين الحق العيني والحق الشخصي يحسم لفائدة الأول نظرا إلى الصلاحيات التي يمنحها لصاحبه.
 2/إن القواعد العامة للتأويل تقتضي أن "الأصل ارتكاب أخف الضررين" (الفصل 556 م ا ع). ولا شك أنّ تفضيل الامتياز الخاص على الامتياز العام يحدث ضررا أقل من الحل المعاكس. ذلك أن منح الأولوية إلى الامتياز العام يمكن أن يؤدي إلى حرمان صاحب الامتياز الخاص من استخلاص دينه باعتبار أنه يحقّ لصاحب الامتياز العام التنفيذ على كل مكاسب المدين بما فيها تلك التي يتسلط عليها الامتياز الخاص. أما إذا سبّقنا الامتياز الخاص، فيبقى دائما لصاحب الامتياز العام الحق في التنفيذ على المكاسب الأخرى للمدين غير المشمولة بالامتياز الخاص.
3/ ردا على الحجة القائلة بضرورة ترجيح المصلحة العامة على المصلحة الخاصة عملا بالفصل 557 م ا ع، وجب التنبيه إلى أن هذا الترجيح مشروط بعدم التوفيق بين المصلحتين. أما إذا أمكن ذلك فلا مانع من تغليب المنفعة الخاصة على العامة. وهو ما يتيسّر في صورة الحال بما أنّ حظوظ صاحب الامتياز العام في الاستخلاص تبقى وافرة حتى لو وقع تفضيل الامتياز الخاص عليه. مع التذكير في هذا الصدد بأن قاعدة: "النص الخاص يقدم على النص الخاص" المقررة في الفصل 534 م ا ع، تدعم ترجيح الامتياز الخاص على العام.
4/ إن المشرع أقر صراحة في مجال الإجراءات الجماعية أفضلية الامتيازات الخاصة على الامتيازات العامة (الفصل 569 م ت).

الفرع الثاني: الأفضلية في إطار التنفيذ الجماعي

اقتضى الفصل 569 م ت ما يلي: "يوزع المال المتحصل عليه من إحالة المؤسسة أو بعض أصولها أو كرائها أو كرائها كراء مشفوعا بإحالتها أو بإعطائها للغير في نطاق وكالة حرة أو تفليسها على جميع الدائنين التي اختبرت واعتمدت ديونهم بعد طرح المبالغ التي سبق دفعها، وذلك وفق الترتيب التالي:
ـ الديون ذات الامتياز المدعّم،
ـ الديون ذات الأولوية المنصوص عليها بالفصول 429 و450 و490 من هذه المجلة،
ـ الديون المتمتعة بحق الحبس في حدود النسبة التي تمثلها قيمة المال المحبوس مقارنة بمحصول الإحالة أو معين الكراء الجملي أو التصفية،
ـ الديون ذات امتياز خاص في حدود النسبة التي تمثلها قيمة المال الموظف عليه الامتياز مقارنة بمحصول الإحالة أو معين الكراء الجملي أو التصفية،
ـ الديون ذات امتياز عام وفق ترتيبها. ولا تكون الديون المتمتعة بامتياز الخزينة إلا في حدود أصل الدين ولمدة لا تتجاوز الأربع سنوات السابقة لتاريخ قرار قفل جدول الديون. ولا ينطبق هذا الأجل على الديون الجبائية بعنوان المبالغ المخصومة من المورد و الأداءات على رقم المعاملات و غيرها من الأداءات غير المباشرة و كذلك على ديون الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بعنوان قسط المساهمات المقتطعة و المحمول على الأجراء.
وتتحاصص الديون ذات امتياز عام مع الديون العادية في الباقي،
-الديون الموثقة برهون في حدود النسبة التي تمثلها قيمة المال المرهون مقارنة بمحصول الإحالة أو معين الكراء الجملي أو التصفية.
ـ باقي الديون".
ويستدعي هذا النص إبداء الملاحظات الآتية:
1/ أن تطبيقه ينحصر في مجال الإجراءات الجماعية، أي في الصور التي تكون فيها إحدى المؤسسات المشار إليها في الفصل 416 م ت خاضعة لإجراءات الإنقاذ أو التفليس.
2/ أنه يبين الحلول الواجب تطبيقها في صورة التزاحم بين مختلف الدائنين سواء أكانوا مفضلين أم عاديين.
3/ أنه يحيل إلى عدة نصوص متفرقة في الامتيازات العامة أهمها امتياز الأجراء في الفصل 151-2 من مجلة الشغل وامتياز الديون الجديدة في الفصول 429 و450 و490 من المجلة التجارية.
4/ أنه يتضمن ترتيبا خاصا مختلفا عن الترتيب الجاري به العمل في إطار التنفيذ الفردي يستوعب كل أنواع الديون والتأمينات العينية بدءا من الامتيازات بنوعيها العامة والخاصة ومرورا بحق الحبس والرهون وانتهاء بالديون العادية.
aوتتصدر أعلى الترتيب، الديون ذات الامتياز المدعم، التي تدعى أيضا بالامتيازات الممتازة أو الامتيازات من الدرجة الأولى (Les super privilèges). وهي التي أحصاها الفصل 570 من المجلة التجارية كما يلي:
- أجور العملة في جزئها غير القابل للعقلة (الحجز) وفق أحكام الفصل 151 ثانيا من مجلة الشغل.
- ديون المستخدمين والبحارة ونواب التجار المتجولين وممثلي التجارة للستة أشهر الأخيرة السابقة لحكم التسوية القضائية او التفليس.
- الديون المنصوص عليها بالفقرات 1و2و3 من الفصل 199 من مجلة الحقوق العينية. اي مصاريف تجهيز الميت والمصاريف العلاجية فالمصاريف القضائية.
وغني عن التذكير بمبررات منح هذه الامتيازات الرتبة الأولى وهي الاعتبارات المعاشية (الفصل 2.151 م ش) والإنسانية أو الصحية (الفصل199 أولا وثانيا من م ح ع) وكذلك الحفظية ( الفصل 199 ثالثا من م ح ع ).
aوتأتي في المرتبة الثانية مجموعة اخرى من الديون الممتازة. وهي التي أطلق عليها "الديون ذات الأولوية المنصوص عليها بالفصول 429 و450 و490 من هذه المجلة". وتشمل هذه الامتيازات الديون الجديدة في إطار التسوية الرضائية (الفصل 429) والديون الجديدة في إطار التسوية القضائية (الفصل 450) إضافة إلى امتياز المكرى (الفصل 490). وأساس هذه الرتبة هو تشجيع المستفيدين من الامتيازات المذكورة على الانخراط في عملية إنقاذ المؤسسة ومساعدتها على مواصلة نشاطها.
aوتأتي بعد هذه الامتيازات، الديون المتمتعة بحق حبس. وبذلك يصبح للدائنين الذين مارسوا حق حبس على منقول او عقار تابع للمؤسسة إمكانية استخلاص المبالغ التي يستحقونها في المرتبة الثالثة وان كان في حدود قيمة المال المحبوس بعد إحالته او كرائه. وهو أمر طبيعي باعتبار انه لا يمكن التوسع في ميدان حق الحبس خارج مجاله الضيق.
aأما في الرتبة الرابعة فنجد الديون ذات الامتياز الخاص سواء أكان محل الامتياز عقارا أم منقولا. وعلى غرار حق الحبس، ينحصر التفضيل في إطار هذه الامتيازات في حدود قيمة المتحصل من التفويت في المال موضوع الامتياز سواء بمقتضى إحالته او تصفيته او من كرائه.
aثم ترد الامتيازات العامة لتحتل الدرجة الخامسة في قائمة الفصل 569 م ت. لكن المشرع لم يضعها في منزلة واحدة وإنما قرّر الأخذ بها وفق ترتيبها. وهو ما يفضي ضمنيا إلى الإحالة على الفصل 199 م ح ع الذي رتب الامتيازات العامة والى النصوص الأخرى المرتبطة به ضرورة كالفصل 66 من مجلة التأمين الذي ينص على انه "يحمل على أصول مؤسسات التأمين امتياز عام يخصص حسب الأولوية لخلاص المنتفعين بعقود التأمين على الحياة في حدود الاصول المخصصة لهذه العقود يليهم فيما بعد المنتفعون بعقود التأمين على غير الحياة". ويقدم هذا الامتياز على الامتياز العام للخزينة وذلك خلافا للفصل 199 من مجلة الحقوق العينية. على انه سعيا للحد من "تغوّل" امتياز الخزينة، أقر المشرع في الفصل 569 ان المبالغ المستحقة للدولة لا تحتل الرتبة الخامسة الا في حدود أصل الدين ولمدة لا تتجاوز الأربع سنوات السابقة لتاريخ قرار قفل جدول الديون. وتتحاصص ديون الخزينة ذات الامتياز العام مع الديون العادية في الباقي.
aوأما الرتبة السادسة فقد وقع إسنادها إلى الرّهون بأنواعها سواء أكانت عقارية أم منقولة، حيازية أم غير حيازية، اتفاقية أم قانونية وذلك في حدود قيمة المال المرهون. ويعدّ هذا الحكم تطبيقا أمينا للفصل 195 من مجلة الحقوق العينية في فقرة الأولى الذي اقتضى أن الامتيازات تتفوق على سائر الديون وحتى على الديون الموثقة برهن عقاري.
لكن يلاحظ انه خلافا للدائنين الممتازين الذين يتفوقون في الرتبة بقوة القانون، فان أصحاب الرهون لا يتمتعون بأفضليتهم إلا إذا أشهروا رهونهم عن طريق الشكليات المقررة قانونا. وإلا فإنهم يتدحرجون إلى المرتبة الأخيرة في الفصل 569 م ت باعتبارهم دائنين غير مفضّلين يعاملون على قدم المساواة مع الدائنين العاديين ويخضعون مثلهم إلى قاعدة التحاصص.

العنوان الثاني: حق التتبع
خلافا للرهن العقاري الذي يعتبر حق التتبع من آثاره البديهية، يبدو الأمر قابلا للنقاش في ميدان الامتيازات. والسبب هو انعدام أي إشارة إلى هذا الحق في تعريف الامتياز الوارد بالفصل 194 م ح ع وغياب أي نصّ مماثل أو مضاه  للفصلين 270 و280 م ح ع اللذين أسندا صراحة إلى الدائن المرتهن الحق في تتبع العقار المرهون بين يدي الغير.
 فإلى أي مدى يمكن الإقرار بتوافر حق التتبع في الامتيازات من عدمه؟
جوابا عن هذا السؤال يوجد موقفان: موقف مؤيد لوجود حق التتبع وموقف رافض له.
3أما الموقف المؤيّد، فيرتكز على الحجج الآتية:
1/ الامتياز بتعريفه في الفصل 194 م ح ع هو حق عيني، ومن خصائص الحق العيني باعتباره سلطة على الشيء أن صاحبه له الحق في تتبعه بين يدي الغير. وإذا قيل بأن المشرع لم يشر إلى حق التتبع عند تعريفه للامتياز، فيمكن الرد على هذه الحجة بأن المشرع لم يتعرض أيضا إلى هذا الحق بمناسبة تعريف الرهن في الفصل 201 م ح ع ولا أحد ينكر وجود حق التتبع في الرهن العقاري.
2/ الامتياز بتعريفه أيضا هو سبب من أسباب التفضيل. ولا قيمة لحق الأفضلية إذا لم يكن مشفوعا بحق التتبع. وفعلا، إذا كان بإمكان المدين التفريط في مكاسبه دون أن يكون للدائن الممتاز حق تتبعها بين يدي الغير، أصبح حق الأفضلية الممنوح له خاليا من أي فاعلية أو نجاعة نتيجة انعدام المكاسب التي يمكن أن يمارس عليها هذا الحق.
3/ إن حق التتبع متوفر في بقية التأمينات العينية من رهن عقاري ورهن على منقول وحق حبس. وما دام أنّ الامتياز مفضل على هذه التأمينات، فمن المنطقي ان يكون حق التتبع من آثاره الطبيعية ولو في غياب نص صريح وذلك تطبيقا لقاعدة أن "من أمكنه الأكثر أمكنه الأقل".
4/ وجود بعض النصوص التي تشير صراحة إلى جواز ممارسة حق التتبع من قبل الدائن الممتاز. من بينها الفصل 34 من مجلة المحاسبة العمومية الذي اعتبر أن ماسك الثمار أو المداخيل التابعة للمنقولات أو العقارات محل الامتياز بأي عنوان كان هو متضامن وجوبا مع المطلوب الأصلي بإيفاء الضريبة أو الرسم أو المعلوم موضوع ضمانها. والفصل 115 من مجلة معاليم التسجيل والطابع الجبائي الذي نصّ في فقرته الثانية على أنه:" لاستخلاص معاليم التسجيل على التركات تتمتع الخزينة بامتياز على مداخيل الأملاك الواجب التصريح بها وذلك مهما كان الحائز لها". وكذلك الفصل 66 من مجلة التجارة البحرية الذي جاء به:" للدائنين الذين رسم امتيازهم أو رهنهم على سفينة أن يتتبعوها أيا كانت اليد التي انتقلت إليها للمحاصة بديونهم واستخلاصها بحسب درجتها أو درجة ترسيماتهم".
بيد أن هذه الحجج على وجاهتها، لم تلق إجماع الشراح.
3وأما الموقف الرافض، فيعتمد على الأسانيد الآتية:
1/ حق التتبع لا يجوز إلا إذا كان هناك مال معين من أموال المدين مخصص للوفاء بالدين. لكن شرط التخصيص مفقود في الامتياز ات العامة بما أنها لا ترتبط بمال معين وإنما تسري على مكاسب المدين برمّتها. ولا يظهر أثر حق الامتياز إلا في آخر مرحلة من مراحل التنفيذ على مكاسب المدين، أي عند توزيع ثمن البيع على الدائنين.
2/ صحيح أن حقوق الدائن الممتاز تستحق الحماية لاسيما عند تعمد المدين التفريط في مكاسبه تجنبا للتنفيذ عليها. لكن هذه الحماية لا ينبغي أخذها على إطلاقها والتوسع فيها بما أنها جاءت استثناء لقاعدة المساواة.
3/ إن الإشارة إلى حق التتبع في إطار بعض الامتيازات الخاصة على منقول، هو دليل على صبغته الاستثنائية وأن الأصل هو انعدامه، إذ لو كان مقررا كمبدإ عام لما احتاج المشرع إلى الإشارة إليه في نصوص خاصة.
4/ إن ممارسة حق التتبع تقتضي إشهار الامتيازات حتى يمكن الاحتجاج بها على الغير، وقد سبق القول إن الامتيازات تنشأ بقوة القانون ولا تحتاج لوجودها سواء بين الأطراف أو إزاء الغير إلى إشهارها. كما أن ترتيبها يقع استنادا إلى معيار صفة الدين بموجب نص صريح أو بناء على الاجتهاد عند الاقتضاء ولا دخل للإشهار في عملية الترتيب.  

dimanche 3 mai 2020

الامتيازات: خصائصها وأنواعها



الامتـــيازات


الامتيازات هي، على غرار الرهن العقاري، سبب من أسباب التفضيل الوارد ذكرها في الفصل 193 م ح ع.
وتخضع مادة الامتيازات في تنظيمها إلى مجموعة من النصوص والاحكام التي يمكن تقسيمها إلى مجموعتين:
- مجموعة أولى تتكون من الأحكام العامة والمشتركة بين جميع الامتيازات موضوع الفصول من 194 الى 198 م ح ع.
- مجموعة ثانية تشمل النصوص الخاصة المتعلقة بالامتيازات، بعضها موجود في مجلة الحقوق العينية (الفصلان 199 و200) والبقية خارجها في إشارة مثلا إلى الفصول 33 و 34 من مجلة المحاسبة العمومية أو 205 من المجلة التجارية أو 65 و 71 من مجلة التجارة البحرية و غيرها.
ولفهم هذه المادة في ضوء مختلف النصوص المنظمة لها يتجه تناول ثلاث مسائل أساسية: خصائص الامتيازات (الجزء الأول) وأنواعها (الجزء الثاني) ثم آثارها (الجزء الثالث).

الجزء الأول: خصائص الامتيازات
الجزء الثاني: أنواع الامتيازات
الجزء الثالث: آثار الامتيازات

الجزء الأول: خصائص الامتيازات
لدراسة هذه الخصائص يجب الانطلاق من الفصل 194 م ح ع الذي عرّف الامتياز بأنه: " حق عيني يعطيه القانون في تفضيل بعض الدائنين على بعض للخلاص من مكاسب المدين نظرا لصفة ديونهم".
ويفهم من هذا النص أن خصائص الامتيازات تتمثل أساسا فيما يلي:

<الصبغة العينية للامتياز: أي أن الامتياز ليس حقا شخصيا أو وصفا من أوصاف الالتزام وإنما هو حق عيني تبعي. وهو كالرهن العقاري حق غير قابل للتجزئة، بمعنى أنه يبقى بكامله على كل الأشياء التي يشملها ويضمن كامل الدين الممتاز. وتشديدا على صبغته العينية، أشار المشرع إلى الامتياز في الفصل 12 م ح ع ضمن قائمة الحقوق العينية العقارية. وبذلك يصبح من قبيل التّرف التساؤل عن طبيعة الامتياز في قانوننا، والحال أنها محل جدل بين الشراح في القوانين المقارنة نظرا لعزوف هذه القوانين عن تحديد موقفها بوضوح من المسألة. لكن الإقرار الصريح للصبغة العينية في نصوصنا لا يمنع من البحث فيما إذا كانت كل عناصر ومقومات الحق العيني متوفرة في الامتيازات وخاصة منها الامتيازات العامة.

<المصدر القانوني للامتياز: ومعناه أن الامتياز هو تأمين عيني ينشأ بنص من القانون ولا ينشئه الاتفاق ولا القاضي. ويعبّر عن هذه الخاصية فقها بمقولة: "لا امتياز بدون نصّ".

< الصبغة الاستثنائية للامتياز: ويرجع ذلك إلى أن الأصل هو المساواة بين الدائنين (الفصل 192 م ح ع) والأفضلية هي استثناء. وما دام الامتياز هو سبب استثنائي للتفضيل فوجب أن يخضع لقاعدة التأويل الضيق للنصوص ولا يجوز التوسع فيه أو القياس عليه.

<الدين هو الممتاز لا الدائن: فالامتياز هو تأمين عيني يعطى للدائنين "نظرا لصفة ديونهم".   ويعني ذلك ان إقرار الامتياز راجع لأسباب لا ترتبط بذات الدائن أو بصفته وإنما بدينه. فالقانون هو الذي يختار ديونا ويفضلها على غيرها. ويبقى الدين ممتازا ولو أحيل إلى دائن جديد (الفصل 196(فقرة ثانية) م ح ع).
والمقصود بصفة الدين إذن هي الاعتبارات التي يراعيها المشرع في منح الأفضلية لبعض الديون على حساب ديون وحقوق أخرى. وهذه الاعتبارات متنوعة ومختلفة. فقد يتقرر تقديم بعض الديون لأسباب إنسانية كما هو الحال بالنسبة للأجور أو مصاريف العلاج والتداوي (الفصل 199 (ثانيا) م ح ع) أو دين النفقة (الفصل 199 (خامسا) م ح ع). وقد تكون الأولوية المعطاة قائمة على دوافع دينية، مثلما هو شأن بالنسبة إلى مصاريف تجهيز الميت (الفصل 199 (أولا) م ح ع). وقد يكون أساس الامتياز أحيانا أخرى هو حماية المصلحة العامة، في إشارة إلى امتياز الخزينة العامة على معنى الفصل 199 (رابعا) م ح ع.

< الامتياز هو تأمين عيني غير حيازي: أي انه لا يشترط لصحة الامتياز أو لقيامه أن يتولى المدين تسليم المال محل الامتياز الى الدائن مثلما هو الحال بالنسبة لتأمينات عينية أخرى حيازية كرهن المنقول الذي لا يصح الا بتسليم الدين المرهون إلى الدائن المرتهن أو حق الحبس الذي لا ينشأ الا إذا كان المال المحبوس بين يدي الدائن. وتستفاد هاته الخاصية ضمنيا من الفصل 194 م ح ع الذي عرّف الامتياز دون اشتراط ضرورة تحويز الدائن بالمال محل الامتياز.

<  تفوق الامتيازات على سائر التأمينات العينية: فقد تضمّن الفصل 195 م ح ع   في فقرته الأولى أنّ: "الدين الممتاز مفضل على غيره من الديون وحتى على الديون الموثق برهن عقاري". ويترتب عن هذا النصّ أن الامتيازات سواء أكانت عامة أو خاصة تتفوق في رتبتها على الديون العادية والديون المضمونة بتأمينات أخرى (رهن عقاري، رهن منقول، حق حبس).

< انقسام الامتياز إلى نوعين عام وخاص: وهذا التقسيم أقره المشرع صراحة في الفصل 197 م ح ع بقوله "الامتياز نوعان عام وخاص فالعام يشمل جميع المنقول والعقار والخاص لا يتسلط الا على أعيان معينة".
ويفهم من هذا النص ان الامتيازات تعتبر عامة وخاصة بحسب ما إذا كانت تشمل جميع مكاسب المدين او جزءا منها فقط. فاذا كان الامتياز يتسلط على كل مكاسب المدين المنقولة والعقارية اعتبر عاما، بمعنى ان الدائن الممتاز يمارس حق أفضليته على كل عين أو شيء او مال او حق يجده في الذمة المالية لمدينه يوم الشروع في التتبع أو عند توزيع حصيلة التنفيذ. ويكون الامتياز خاصا إذا لم يكن الدائن الممتاز متمتعا بأفضلية الا بالنسبة لمال أو حق محدد موجود في ذمة مدينه.
ويترتب عن هذه التفرقة الأساسية جملة من النتائج أبرزها ما يلي:
1/ اختلاف الامتياز العام عن الامتياز الخاص من حيث نطاق الأفضلية التي يتمتع بها كل دائن. فهذا النطاق يعتبر واسعا في الامتياز العام لأنه يمتد إلى جميع مكاسب المدين القابلة للتنفيذ، بينما هو محدود في الامتياز الخاص لأنه منحصر في العقار أو المنقول محل هذا الامتياز.
2/ الاختلاف من حيث كيفية التنفيذ على مكاسب المدين. فإذا كان الدائن صاحب امتياز خاص، وجب عليه عند كفاية مكاسب مدينه المخصصة لضمان دينه أن يمتنع عن تتبع غيرها من المكاسب وذلك تطبيقا للفصل 306 م م م ت. أما الدائن صاحب الامتياز العام فلا يخضع لقاعدة الفصل 306 م م م ت وإنما يسري عليه الفصل 304 م م م ت الذي يقتضي أن عمليات التنفيذ تباشر أولا على المنقولات، فإن لم تكن كافية أو موجودة، جاز له التنفيذ على العقارات.
3/ الاختلاف في نوع التزاحم الذي يمكن أن يحصل بين الامتيازات ذاتها إذا كانت مكاسب المدين غير كافية لخلاص جميع ديونه. فهذا التزاحم يبدو حتميا في مجال الامتيازات العامة التي تنبسط على كل ما يملكه المدين من أشياء وما يدخل في ذمته من حقوق. وهذا ما يفسر حرص المشرع على ترتيبها وبيان منزلة كل دين ممتاز إزاء غيره. أما في نطاق الامتيازات الخاصة، فيبدو التزاحم استثنائيا نظرا لاختلاف المكاسب التي يتسلط عليها كل امتياز خاص. وهذا ما يبرّر عدم ترتيبها في مجلة الحقوق العينية او نصوص أخرى.

الجزء الثاني: أنواع الامتيازات
اقتضى الفصل 197 م ح ع أن: "الامتياز نوعان عام وخاص. فالعام يشمل جميع المنقول والعقار والخاص لا يتسلط إلا على أعيان معينة". وهذا التقسيم التشريعي للامتيازات هو الذي ينبغي اعتماده في عرض أنواعها.

العنوان الأول: الامتيازات العامة
عدّد المشرع أهمّ الامتيازات العامة في الفصل 199 م ح ع (الفرع الأول). وإضافة إلى هذا النص المحوري، تمّت الإشارة إلى بعض الامتيازات العامة في نصوص أخرى خارج مجلة الحقوق العينية (الفرع الثاني).

              الفرع الأول: الامتيازات المقررة في الفصل 199 م ح ع
اقتضى الفصل 199 م ح ع أن:" الديون الممتازة بعموم المنقول والعقار هي ما يأتي حسب الترتيب:
أولا: مصاريف تجهيز الميت.
ثانيا: ديون الأطباء والصيادلة والممرضين المتألّفة من اجر العلاج وثمن الأدوية عن الستة أشهر الأخيرة.
ثالثا: المصاريف القضائية التي صرفت في مصلحة جميع الدائنين لحفظ ما هو ضمان للدائنين وبيعه.
رابعا: المبالغ المستحقة للخزينة العامة من ضرائب وأداءات مختلفة بالشروط المقررة في النصوص الخاصة.
خامسا: أجور الخدمة والعملة وكل أجير آخر وثمن لوازم معاش المدين وعائلته والنفقة كل ذلك عن الستة أشهر الأخيرة".
ولفهم هذا النص يتجه التعرض إلى الامتيازات الواردة فيه تباعا.

              1/ امتياز مصاريف الدفن (الفصل 199، أولا)
يفترض هذا الامتياز قيام شخص بدفع المبالغ الضرورية لتجهيز المتوفي ودفنه (شراء كفن، تغسيل الميت، نقله إلى مكان الدفن...). فإذا افتتحت تركة الميت وتقدم دائنوه سعيا لاستيفاء ديونهم، كانت الأولوية في الخلاص للدائن الذي سدّد مصاريف التجهيز. وهو ما يؤكده الفصل 87 من مجلة الأحوال الشخصية. ويبدو أن أساس منح هذا الامتياز هو التشجيع على أداء واجب أخلاقي وديني نحو المتوفى يحث عليه الإسلام وتلخصه مقولة: "إكرام الميت دفنه".

       2/ امتياز مصاريف العلاج والتداوي (الفصل 199، ثانيا)
يتحقق هذا الامتياز في صورة وجود مريض استدعى علاجه الالتجاء إلى خدمات طبيب أو ممرض ثم تولّى شراء الأدوية اللازمة من الصيدلية. وتمنح الأولوية بموجب هذا الامتياز إلى كل من الطبيب والممرض ضمانا للوفاء بأجورهم وكذلك للصيدلي في سبيل استخلاص ثمن الأدوية التي اقتناها منه المريض. وينبغي التنبيه هنا إلى أن الأمر يتعلق بامتيازات مقررة لثلاثة ديون مختلفة: دين الطبيب ودين الممرض ودين الصيدلي. وواضح أن دوافع إقرار هذه الامتيازات هي إنسانية بالأساس حتى لا يتأخر هؤلاء عن تقديم العون للمريض والقيام بما يلزم لمعالجته. مع العلم بأن التمتع بالأفضلية غير مطلق وإنما ينحصر في مدة الستة أشهر الأخيرة دون أن يوضح المشرع كيفية احتساب هذه المدة.

       3/ امتياز المصاريف القضائية (الفصل 199، ثالثا)
 يكفل هذا الامتياز خلاص كل المصاريف التي بذلها الدائن في سبيل حفظ مكاسب المدين والتنفيذ عليها بشرط أن يكون قد انجرّ نفعها إلى بقية الدائنين. ولمعرفة الديون المضمونة بهذا الامتياز تحديدا، وجب الرجوع إلى الفصلين 301 و 429 م م م ت. مع التنبيه إلى ضرورة عدم الخلط بين هذه المصاريف المضمونة بامتياز عام على معنى الفصل 199 م ح ع ومصاريف توزيع حصيلة التنفيذ وترتيب الدائنين التي تتمتع بامتياز خاص يتسلط على ثمن التبتيت محل التوزيع.

       4/ امتياز الخزينة العامة(الفصل 199، رابعا)
يعدّ امتياز خزينة الدولة من أهم الامتيازات نظرا لاتساع نطاقه ولقوة الاعتبارات المبررة له والقائمة على حماية الصالح العام من خلال الحرص على توفير موارد الدولة وتجنب تعطيل أعمالها وإدارتها لمرافق البلاد. ويضمن هذا الامتياز كل مستحقات الدولة مهما كان نوعها ومصدرها سواء أكانت جبائية أم غير جبائية وحقوق غيرها من الذوات المعنوية كالجماعات العمومية المحلية والمؤسسات العمومية ذات الصبغة الصناعية والتجارية والحال أنّ هذه الأخيرة تعامل في مجالات أخرى (تعاقد، تقاضي..) معاملة الأفراد والذوات الخاصة. كما يكفل خلاص الديون المستوجبة لفائدة عدد من الدواوين والصناديق كالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية وصندوق ضمان النفقة وجراية المطلقة. ونفس الامتياز مخول لهيئة السوق المالية وللوكالة القومية للتبغ والوقيد بل وللبنوك التي تساهم فيها الدولة. مع الملاحظ أنّ المشرع أراد أن يكفل لهذه الديون أوفر وسائل الحماية فأخضعها، جلها، لإجراءات الاستخلاص الإداري المقررة في مجلة المحاسبة العمومية.

       5/ الامتيازات المعاشية (الفصل 199، خامسا)
يقر الفصل 199 م ح ع في فقرته الأخيرة ثلاثة امتيازات مختلفة:
- أما الأول فيضمن ديون الأجراء والعملة إزاء مؤجريهم ومشغّليهم. فإذا لم يقع خلاصهم في أجورهم ومستحقاتهم، يكون من حقهم استخلاصها بالأفضلية على غيرهم من الدائنين بموجب الامتياز الممنوح لهم. ويجب التنبيه في هذا الصدد إلى أن امتياز الأجراء يخضع لنظام خاص يقتضي ربط الفصل 199 م ح ع بنصوص أخرى خارج المجلة أهمها الفصل 151 ـ 2 من مجلة الشغل الذي تضمن أنه:" تدفع الأجور في جزئها غير القابل للحجز المحدد بالفصل 354 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية قبل الديون الأخرى مهما كانت درجة امتيازها. وتدفع بقية الأجور والمستحقات الأخرى للعملة قبل المبالغ المستحقة للخزينة العامّة". وكذلك الفصل 570 من المجلة التجارية الذي اقتضى ما يلي: "يُمنح امتياز مدعّم للدّفع وتستخلص قبل غيرها أجور العملة في جزئها غير القابل للحجز وفق أحكام الفصل 151 ثانيا من مجلة الشغل وديون المستخدمين والبحارة ونواب التجار المتجولين وممثلي التجارة للستة أشهر الأخيرة السابقة لحكم التسوية القضائية أو التفليس والديون المنصوص عليها بالفقرات 1 و2 و3 من الفصل 199 من مجلة الحقوق العينية. زيادة على الفصل 571 من نفس المجلة حيث ورد أنه: "يجوز للعملة والمستخدمين والبحارة ونواب التجار المتجولين وممثلي التجارة أن يباشروا الحقوق وينتفعوا بالامتيازات المنصوص عليها بالرتبة الخامسة من الفصل 199 من مجلة الحقوق العينية فيما بقي مستحقا لهم من الدين".
- وأما الثاني فيضمن دين النفقة المستوجبة لفائدة الزوجة أو الأبناء أو الآباء على معنى الفصلين 37 و43 من مجلة الأحوال الشخصية. ويشمل دين النفقة عملا بالفصل 50 م أ ش ما هو ضروري لمعاش الدائن من طعام وملبس ومسكن وتعليم...
              - وأما الامتياز الأخير فيكفل خلاص ثمن لوازم معاش المدين. ويفترض هذا الامتياز أن يكون المدين قد تزوّد من الدائن الذي قد يكون بائعا للمواد الغذائية مثلا بما هو ضروري لتوفير قوته هو وعائلته من مواد أساسية. ثم امتنع عن تسديد ثمن المواد التي اشتراها.  فيحق عندئذ للدائن أن يستوفي المبالغ المتخلدة في ذمة مدينه مستفيدا من الامتياز الممنوح له.

              الفرع الثاني: الامتيازات المقررة خارج مجلة الحقوق العينية
توجد أهم هذه الامتيازات في المجلة التجارية التي تضمنت ما يمكن أن نطلق عليه امتياز الديون الجديدة (1) وفي مجلة التأمين التي تعرضت إلى امتياز المنتفعين بعقود التأمين (2).

1/ امتياز الديون الجديدة
المقصود بالديون الجديدة هي الديون التي تنشأ بعد افتتاح إجراءات التسوية الرضائية أو القضائية أو كذلك على إثر صدور حكم بالتفليس ضد المدين. وقد أفرد المشرع الدائنين الذين قبلوا التعامل مع المؤسسة الخاضعة لإجراءات جماعية بامتياز عام على مكاسبها ضمانا لخلاص ديونهم وذلك لتشجيعهم على الانخراط في الإجراءات والأعمال الهادفة إلى إنقاذ المؤسسة المارة بصعوبات اقتصادية أو إلى تصفيتها عند الاقتضاء. وأول هذه الامتيازات نجده في الفصل 429 من المجلة التجارية الذي اقتضى أنه:" في حالة افتتاح إجراءات التسوية القضائية أو التفليس، تعطى للدائن الذي قبل ضمن اتفاق التسوية الرضائية المصادق عليه ضخ أموال جديدة أو توفير منقولات أو عقارات أو تقديم خدمات لمساعدة المؤسسة على مواصلة نشاطها، الأولوية، وتستخلص ديونه قبل الديون الأخرى باستثناء الديون التي تتمتع بامتياز مدعم للدفع". وجاء الامتياز الثاني في الفصـل 450 من نفس المجلة الذي نصّ على ما يلي:" تعطى الأولوية للديون الجديدة المترتبة على المؤسسة بداية من انطلاق فترة المراقبة والتي لها علاقة مباشرة وضرورية بمواصلة نشاطها ولمعينات كراء العقارات والمنقولات التي تكون موضوع إيجار مالي وضرورية لمواصلة نشاط المؤسسة والتي تمتعليق إجراءات التنفيذ الرامية إلى استرجاعها والتي حلّ أجل الوفاء بها قبل انطلاق فترة المراقبة وتستخلص قبل الديون السابقة الأخرى ولو كانت ممتازة". أما الامتياز الأخير فقد أقره المشرع لفائدة المسوغ ضمانا لأداء معاليم الكراء المستوجبة على المدين وذلك بمقتضى الفصل 490 م ت الذي تضمّن أنه في صورة فسخ الكراء " تكون لديون المكري المتولدة عن الكراء خلال فترة المراقبة أو منذ الحكم بالتفليس إلى تاريخ إخلاء المحل الأولوية المنصوص عليها بالفصل 450 من هذه المجلة. وتستثنى من ذلك الفترة التي استغرقها تنفيذ برنامج إنقاذ انتهى بالتفليس".

       2/ امتياز المستفيدين من عقود التأمين
ورد هذا الامتياز بموجب الفصل 66 من مجلة التأمين الذي أقرّ أنه: "يحمل على أصول مؤسسات التأمين امتياز عام يخصص حسب الأولوية لخلاص المنتفعين بعقود التأمين على الحياة في حدود الأصول المخصصة لهذه العقود يليهم فيما بعد المنتفعون بعقود التأمين على غير الحياة. 
ويقدم هذا الامتياز على الامتياز العام للخزينة وذلك خلافا للفصل 199 من مجلة الحقوق العينية".
ويتضح من هذا النصّ أن الأشخاص الذين أبرموا عقود تأمين ثم تحقق الحادث المؤمّن، يحق لهم استخلاص مستحقاتهم المستوجبة على شركات التأمين اعتمادا على الامتياز العام المقرر لفائدتهم قانونا ضمانا لحقوقهم. وينبسط هذا الامتياز على جميع المكاسب الراجعة لشركة التأمين. مع الإشارة إلى أنه في صورة التزاحم تكون الأولوية في الخلاص للدائن المنتفع بعقد تأمين على الحياة على حساب الدائن المستفيد من عقد تأمين على غير الحياة.

العنوان الثاني: الامتيازات الخاصة
ينقسم الامتياز الخاص حسب محله إلى نوعين: امتياز خاص على منقول (الفرع الأول) وامتياز خاص على عقار (الفرع الثاني).

الفرع الأول: الامتياز الخاص على منقول
لا يتسع المجال لاستعراض جميع الامتيازات الخاصة على منقول. لذلك سنقتصر على تناول أهمها. وهي الآتية:

       1/ الامتيازات المقررة في الفصل 200(أولا) م ح ع
اقتضى الفصل 200 م ح ع أنّ الديون الممتازة ببعض المنقول هي "بالنسبة للمتحصل من بيع الصابة: الديون المترتبة عن ثمن البذور ومصاريف الأشغال الفلاحية ومصاريف الجني".
ويقرّ هذا النص ثلاثة امتيازات خاصة على نفس المحل لفائدة ثلاثة دائنين مختلفين.
 - أما محل الامتياز فهو الصابة أي المحصول الفلاحي الذي تحصل عليه المدين.
 - وأما الديون الممتازة فهي أولا ثمن البذور التي تولى المدين شراءها ولم يسددها لفائدة البائع. وثانيا، المبالغ والأجور المستحقة لفائدة الأشخاص الذين أعانوا المدين في انجاز الأعمال الفلاحية الضرورية كالحراثة مثلا أو السقي أو البذر أو الغرس .... وأخيرا، المصاريف المستوجبة لفائدة الأشخاص الذين ساهموا في جمع الصابة ونقلها وتخزينها وغير ذلك من الأشغال التابعة لعملية الجني.
وعلى هذا الأساس، يتمتع كل من بائع البذور  ومن ساهم في الأعمال الفلاحية  ومن شارك في أعمال الجني بامتياز خاص على نفس المحل المتمثل في المحصول الفلاحي ضمانا لاستخلاص الدين المتخلد في ذمة المدين.

              2/ امتياز المكري
تعرض المشرع إلى هذا الامتياز في الفصل 200 (ثانيا) م ح ع الذي اقتضى أن المُكري يتمتع بامتياز خاص: "بالنسبة لغلة العام وللمحصولات ولما هو مستعمل لخدمة الأراضي الزراعية وأثاث البيوت المكتراة الديون المترتبة عن معين كراء الربع والعقار وما شابهها من غلال مدنية لمدة العامين الأخيرين والسنة الجارية ولا يجري الامتياز المذكور إذا خرجت تلك الأشياء من العين وحصل الحق فيها للغير إلا في صورة نقلها مخادعة".
ولفهم هذا الامتياز يتجه توضيح من هو الدائن ومن هو المدين وما هو الدين المضمون فضلا عن المكاسب المنقولة محل الامتياز.
أما الدائن فهو المُكري، أي الشخص الذي تولى تسويغ عقاره سواء أكان أرضا فلاحية أم محلا مخصصا للسكنى أو التجارة أو أي نشاط آخر. وأما المدين فهو مكتري العقار. وأما الدين الممتاز فهو معاليم الكراء الواجب دفعها من قبل المكتري لقاء استغلاله للمكرى والتي امتنع عن الوفاء بها. وبالنسبة للمكاسب التي يتسلط عليها الامتياز، فهي المنقولات الراجعة للمدين والموجودة في العقار المكرى. فإذا كان محل الكراء عقارا فلاحيا امتد الامتياز إلى الغلال التي أنتجها وإلى المنتوج الزراعي الذي تم الحصول عليه زيادة على الأشياء المستعملة في خدمة الأرض (آلات فلاحية، دواب، أسمدة ...). وأما إذا كان الأمر يتعلق بمحل للسكنى أو للتجارة أو غيرها فيتسلط الامتياز على الأثاث الموجود داخله أو على المعدات والبضائع وغير ذلك من المنقولات التابعة للمدين.
 وعليه، إذا تم التنفيذ على المكاسب المنقولة لمكتري العقار، فإنه يحق للمُكري أن يستوفي معيّنات الكراء غير الخالصة من ثمن البيع الجبري لتلك الأشياء بالأفضلية التي يمنحها له الامتياز. مع التنبيه إلى أن هذه الأفضلية تقتصر على المعاليم التي لم يقع دفعها لمدة السنتين الأخيرتين والسنة الجارية. وتدعيما لحقوق الدائن خوّل له المشرع ممارسة حق الحبس على المنقولات الراجعة للمدين وذلك بمقتضى الفصل 788 م ا ع الذي نصّ على ما يلي:" يجوز للمكري أن يحبس الأمتعة وغيرها من الأشياء المنقولة الموجودة في المحل المكرى لاستيفاء ما حل من الكراء وما سيحل في أثناء السنة سواء كانت الأشياء للمكتري الأصلي أو للمكتري الثاني أو لغيرهما".

       3/ امتياز بائع السيارات والجرارات
جاء تنظيم هذا الامتياز بمقتضى الأمر المؤرخ في 7 نوفمبر 1935. ويتمتع به بائع السيارات والجرارات الفلاحية والعربات والآلات ذات المحرك وذلك ضمانا للوفاء بثمن البيع هذه الأشياء. ويمتد هذا الامتياز أيضا الى مقرض شراء تلك العربات كالمؤسسات البنكية او شركات الايجار المالي التي تقرض المشتري مالا لشراء تلك العربات ضمانا لخلاص مبلغ القرض.
ويشترط أمر 7 نوفمبر 1935 ترسيم الامتياز بدفتر خاص تمسكه إدارة النقل حتى يمكن الاحتجاج به على الغير. ويجب تقديم مطلب الترسيم في أجل لا يتجاوز الشهرين من تاريخ شراء العربة. وفي صورة قبول المطلب، يتم التنصيص على الامتياز في البطاقة "الرمادية" الخاصة بالعربة. ويحفظ الترسيم الامتياز لمدة خمس سنوات من تاريخه ما لم يقع تجديده. وتحدد رتبة الدائن الممتاز بحسب تاريخ تقديم مطلب الترسيم. وتدعيما لحظوظ الدائن الممتاز في استخلاص دينه، منحه المشرع إمكانية ممارسة حق التتبع عملا بالفصل الأول من الأمر المذكور.

        4/ امتياز عميل الوساطة
عرّف المشرع عقد وساطة العملاء (contrat de commission) في الفصل 601 من المجلة التجارية بانه العقد الذي يتولى بمقتضاه شخص يسمى الموكل شخصا آخر يدعى الوكيل بأن يتعاقد مع غيره باسمه الخاص (أي باسم الوكيل) ولكن لحسابه (أي لحساب الموكل). ويستحق الوسيط لقاء عمله أجرة (عمولة) بمجرد إنجازه للمعاملة المتفق عليها. وضمانا لاستخلاص عمولته، أقرّ القانون لفائدته امتيازا خاصا بمقتضى الفصول من 603 إلى 605 م ت. ويستفاد من هذه النصوص أن محل الامتياز ينصب على قيمة البضائع المرسلة له أو المودعة أو المؤمنة بمجرد إرسالها أو إيداعها أو تأمينها ضمانا لاستيفاء جميع القروض والسلفات والمدفوعات التي قدمها سواء قبل تسلمه البضائع أو في مدة وجودها في حيازته. ويضمن له هذا الامتياز استيفاء القروض أو السلفات أو المدفوعات المتعلقة بجميع المعاملات الناشئة بينه وبين موكله بدون تمييز بين ما كان منها مختصا بالبضائع التي ما زالت في حيازة صاحبها أو التي سبق إرسالها أو إيداعها أو تأمينها. ويشمل الدين الممتاز أصل المبالغ المستحقة للعميل مع الفوائض والأجرة والمصاريف.
ويظل امتياز العميل قائما على البضائع التي في حيازته وإن لم يترتب دينه بسببها.
على أنه إذا أناب العميل عنه عميلا آخر فلا يجوز لهذا الأخير التمسك بحق الامتياز إلا فيما يخص المبالغ التي قد تكون واجبة له على من صدر منه التفويض.

              5/ امتياز البائع الأصل التجاري
ورد تنظيم هذا الامتياز بالفصول من 205 الى 216 من المجلة التجارية. وبقراءة هذه النصوص يتبين أن بائع الأصل التجاري الذي لم يتمكن من قبض ثمن البيع، يتمتع بامتياز خاص على هذا الأصل ضمانا لاستخلاص دينه. ولا ينشأ هذا الامتياز إلا باحترام شكليتين: أن يكون البيع محررا في كتب مسجل بالقباضة وان يقع إشهاره عن طريق ترسيمه في دفتر خاص بكتابة المحكمة الابتدائية التي يقع في دائرتها الأصل التجاري (الفصل 205، فقرة أولى). ويجب إجراء الترسيم في ظرف خمسة عشر يوما من تاريخ البيع وإلا كان العقد باطلا (الفصل 206).
ويكفل الترسيم حفظ الامتياز لمدة عشر سنوات من تاريخه. وإذا لم يقع تجديده قبل انقضاء هذا الأجل، فهو يعتبر لاغيا (الفصل 212).
وينصبّ محل الامتياز على عناصر الأصل التجاري المبينة في عقد البيع وفي الترسيم. فإذا لم يعين على وجه الدقة ما يتناوله الامتياز فإنه لا يقع إلا على العناصر اللامادية وهي عنوان المحل التجاري واسمه والحق في الإجارة والحرفاء والسمعة التجارية (الفصل 205، فقرة ثانية).
وتتّبع في تحقيق الامتياز نفس الإجراءات المعمول بها في مادة رهن الأصل التجاري. ويحق للدائن الممتاز ممارسة حق التتبع بين يدي الغير في صورة التفويت في الأصل التجاري. ويأخذ الامتياز رتبته بين الامتيازات أو التأمينات العينية الأخرى بحسب تاريخ ترسيمه.

              6/ الامتياز الخاص للخزينة العامة
جاء هذا الامتياز الخاص بالفصل 34 من مجلة المحاسبة العمومية. ويهدف إلى تمكين الدولة من ضمان إضافي تدعيما للامتياز العام الذي تتمتع به بموجب الفصل 199 (رابعا) م ح ع. ويضمن هذا الامتياز خلاص الديون الجبائية من ضرائب ومعاليم موظفة على المكاسب المنقولة الراجعة للمطالبين بالأداء. وينبسط الامتياز على هذه المنقولات نفسها وعلى ثمارها ومداخيلها. ويمكن لإدارة الجباية ممارسة الامتياز لا فقط ضد المدين الأصلي بل إزاء أي شخص آخر حائز للثمار المذكورة وللمداخيل باعتباره متضامنا معه. غير أنه خلافا للامتياز العام للخزينة، فإن الامتياز الخاص على معنى الفصل 34 م م ع يحتل الدرجة الأولى ويسبق التأمينات العينية التي يتمتع بها دائنون آخرون حتى ولو كانت سابقة له.
ويذكّر هذا الامتياز بامتياز خاص آخر تتمتع به الخزينة العامة تطبيقا للفصل 115(فقرة ثانية) من مجلة معاليم التسجيل والطابع الجبائي الذي تضمن أنه علاوة على الامتياز العام المقرر لفائدتها، تتمتع الخزينة لاستخلاص معاليم التسجيل على التركات بامتياز على مداخيل الأملاك الواجب التصريح بها وذلك مهما كان الحائز لها.

        7/ امتياز مصاريف التوزيع
في صورة التنفيذ على مكاسب المدين وبيعها جبريا، يقع خلاص الدائنين من ثمن التبتيت. ويتقاسم الدائنون حصيلة التنفيذ عن طريق نوعين من الإجراءات التي نظمها المشرع في مجلة المرافعات المدنية والتجارية: إجراءات التوزيع عندما يتعلق الأمر بتبتيت منقولات المدين أو عقاراته غير المسجلة (الفصول 463 إلى 474 م م م ت). وإجراءات الترتيب المنطبقة على العقارات المسجلة (الفصول 475 إلى 484 م م م ت). وفي كلتا الحالتين، فإن المصاريف المبذولة من طالب التوزيع أو أي دائن آخر يمكن لصاحبها أن يستخلصها بمقتضى امتياز خاص ينصب على ثمن التبتيت وتكون له الأفضلية على سائر الديون الأخرى. وقد نصّ المشرع على هذا الامتياز في الفصول  488 و 484 و 480  م م م ت.

8/الامتيازات البحرية
تنقسم الامتيازات البحرية إلى نوعين: امتيازات بحرية دولية وأخرى وطنية.
- أما الامتيازات البحرية الدولية فقد جاء بها الفصل الرابع من الاتفاقية الدولية للامتيازات والرّهون البحرية المبرمة بجينيف في 6 ماي 1993 المصادق عليها بمقتضى القانون عدد 46 لسنة 1994 المؤرخ في 9 ماي 1994 والمنشورة بمقتضى الأمر عدد 516 لسنة 1995 المؤرخ في 9 جانفي 1995. وقد عيّن الفصل الخامس من الاتفاقية رتبة هذه الامتيازات في صورة تزاحمها فيما بينها ثم أقر الفصل السادس تفوقها على الامتيازات البحرية الوطنية بما انه اوجب على الدول المصادقة على الاتفاقية ان تكون امتيازاتها في مرتبة تلي الامتيازات المنصوص عليها في الفصل الرابع المذكور.
- وأما الامتيازات البحرية الوطنية، فقد تمّ إقرارها بمقتضى الفصل 71 من مجلة التجارة البحرية. ويتسلط الامتياز حسب هذا النص على السفينة وأجرة النقل لرحلة نشأ أثناءها الدين الممتاز وما يلحق بالسفينة وبالأجرة منذ بدء الرحلة من توابع.
وتعتبر ديونا ممتازة على معنى هذا النص حسب الترتيب الآتي:
"أولا ـ المصاريف القضائية الراجعة إلى الدولة والمصاريف المدفوعة في مصلحة الدائنين العامة لحفظ السفينة أو للحصول على بيعها وتوزيع ثمنها،
ثانيا ـ الأداءات على حمولة السفينة وأداءات المنار والميناء وغيرها من الأداءات والضرائب العامة من هذا النوع الموظفة على السفن ومصاريف الإرشاد وجر السفينة وحراستها وحفظها مع معداتها وأدواتها بوصفها مصاريف صرفت لتحقيق دخول السفينة إلى الميناء الذي بيعت فيه والمصاريف التي تدفعها الإدارة وجوبا لنقل السفن التي يكون في وجودها تعطيل أو خطر على بقية السفن أو على حسن استغلال الميناء،
ثالثا ـ الديون الناتجة عن عقد استخدام الربان والطاقم،
رابعا ـ الأجور المستحقة عن الإنقاذ والمساعدة ومساهمة السفينة في الخسائر المشتركة،
خامسا ـ التعويضات المستحقة عن التصادم وغيره من حوادث الملاحة وكذلك عن الأضرار التي تلحق المنشآت الفنية في الموانئ والأحواض وطرق الملاحة والتعويضات عن الجراحات التي تصيب الركاب والطاقم والتعويضات عن تلف الحمولة أو الأمتعة أو تعيبها،
سادسا ـ الديون الناشئة عن العقود التي يبرمها الربان والعمليات التي يباشرها في حدود ما له من السلطات القانونية بسبب الحاجة الحقيقية لصيانة السفينة أو مواصلة السفر".
ويتمتع أصحاب الامتيازات البحرية بحق التتبع بشرط ترسيمها في دفتر خاص معد للغرض عملا بالفصل 66 م ت ب الذي اقتضى أن: " للدائنين الذين رسم امتيازهم أو رهنهم على سفينة أن يتتبعوها أيا كانت اليد التي انتقلت إليها للمحاصة بديونهم واستخلاصها بحسب درجتها أو درجة ترسيماتهم". وتجدر الملاحظة أن تاريخ الترسيم لا يؤثر في رتبة الدين الممتاز التي تحدد في ضوء ما تقرر في الفصل 71 م ت ب بالنسبة إلى نفس الرحلة. وهذا ما أكده صراحة الفصل 72 م ت ب. وإذا كان هناك تزاحم بين ديون نشأت بمناسبة رحلتين مختلفتين، فإن الديون التي نشأت في الرحلة الأخيرة تفضل على الديون المتولدة عن الرحلة السابقة (الفصل 74 م ت ب).  وتعتبر الامتيازات البحرية مفضلة على الرهون البحرية وهذه على الامتيازات غير البحرية عامة كانت أم خاصة مثلما ورد صراحة في الفصل 65 (فقرة 3) م ت ب.

              9/امتياز المحامي
بيّن المشرع بمقتضى المرسوم عدد 79 لسنة 2011 المؤرخ في 20 أوت 2011 المتعلق بمهنة المحاماة الحقوق التي يتمتع بها المحامي إزاء حريفه ومنها حقه في خلاص أتعابه ومصاريفه. وضمانا لاستيفاء مستحقاته أقر الفصل 41 من المرسوم لفائدة المحامي امتيازا خاصا على المداخيل التي يتحصل عليها حريفه بموجب القضية التي نابه فيها. ويتدعم هذا الامتياز بحق الحبس الذي يمكن للمحامي إجراؤه على التقارير والوثائق التي أعدها في نطاق نيابته إلى أن يستوفي المبالغ المستحقة. كما يمكنه حبس الوثائق والمحررات الراجعة لحريفه إذا رأى في ذلك ضمانا له وذلك بموجب إذن قضائي يستصدره من رئيس المحكمة الابتدائية المختصة.

الفرع الثاني: الامتياز الخاص على عقار

تتمثل أهم الامتيازات الخاصة على عقار فيما يلي:

1/ امتياز المتقاسم
في صورة وفاة المورث، تنتقل مكاسبه إلى ورثته فتصبح ملكية مشتركة أو مشاعة بينهم. وللخروج من حالة الشيوع يمكن قسمة التركة بينهم. ذلك أن القسمة هي سبب من أسباب انتهاء الملكية الشائعة، بما أنها تمكن كل شريك من أن يختص بجزء مفرز من المال الشائع يتناسب مع حصته فيه ليصبح مالكاً له على وجه الاستئثار والانفراد. وتكون القسمة في مادة التركات، أي في الشيوع الإرثي، قسمة عينية لا قيمية (الفصل 131 م ح ع). والأصل في القسمة العينية أن يُعطى كل شريك كامل نصيبه عيناً، فإذا تعذّر ذلك، يقع تعويض الشريك الذي حصل على أقل من نصيبه عيناً بمبلغ من النقود يدفعه له مَنْ حصل من الشركاء على حصّة عينية أكثر من نصيبه. ويسمى هذا المبلغ معدل أو راتب القسمة. ولضمان استخلاص هذا المبلغ، أقر المشرع لصاحبه امتيازا يتسلّط على العقار الذي آلت ملكيته إلى الوارث عن طريق القسمة وذلك تطبيقا للفصل 200 (ثالثا) م ح ع.

2/ امتياز الخزينة العامة 
جاء هذا الامتياز بموجب الفصل 34 م م ع الذي سبق التعرض إليه في باب الامتيازات الخاصة على منقول. لكن هذا النص يقر، في الآن نفسه، لفائدة الخزينة العامة امتيازا خاصا على عقارات المطالبين بالأداء ضمانا لخلاص الديون الجبائية من ضرائب ومعاليم الموظفة على هذه العقارات. ويتسلط الامتياز على هذه المكاسب العقارية ذاتها وعلى ثمارها ومداخيلها. وكما هو الحال بالنسبة إلى الامتياز الخاص على منقول، يمكن لإدارة الجباية ممارسة الامتياز العقاري لا فقط ضد المدين الأصلي بل إزاء أي شخص آخر حائز للثمار المذكورة وللمداخيل باعتباره متضامنا معه. ويحتل هذا الامتياز الدرجة الأولى ويسبق التأمينات العينية التي يتمتع بها دائنون آخرون حتى ولو كانت سابقة له.

3/ امتياز التسجيل العقاري في المناطق التي تقتضي اعداد مثال التهيئة العمرانية 
اقتضى الفصل 24 من مجلة التهيئة الترابية والتعمير أنه يجوز للوالي أو لرئيس البلدية، حسب الحال، وللوزير المكلف بالتعمير، في جميع الحالات، أن يطلب تسجيل الأراضي غير المبنية وغير المسجلة الكائنة داخل المناطق المعينة بالقرار المشار إليه بالفصل 14 من هذه المجلة وذلك بعد إعلام مالكيها، مضيفا أنه: "يتحمل طالب التسجيل، سواء كان الدولة أو الجماعة العمومية المحلية المعنية، المصاريف الناتجة عن عملية التسجيل المنصوص عليها في حكم التسجيل والتي يقع إدراجها بالسجل العقاري كدين ممتاز لفائدته".
 ويفهم من هذا النص أن الدولة ومن في حكمها، لها الحق في أن تسعى إلى التسجيل الجبري للعقارات غير المسجلة الكائنة في منطقة يشملها مثال التهيئة العمرانية. وتكون مصاريف التسجيل التي تم تسبيقها من خزينة الدولة قصد اجراء عملية التسجيل، موثقة بامتياز لفائدة الجهة التي بذلتها يقع على العقار المسجل.

4/ امتياز العقارات التابعة للرسوم المحيّنة
يقترب هذا الامتياز من سابقه باعتبار أنه ممنوح كذلك للدولة في إطار الأعمال التي تقوم بها هياكلها تفعيلا للإشهار العقاري. وفعلا، فقد أسند المشرع بمقتضى القانون عدد 34 المؤرخ في 10 أفريل 2001 إلى المحكمة العقارية مهمة تحيين الرسوم العقارية المجمدة. وجاء بالفصل 11 من هذا القانون أنه يجوز لإدارة الملكية العقارية بصفة استثنائية وبمناسبة نظرها في طلبات الترسيم أو التشطيب المقدمة لها أن تطلب من رئيس المحكمة العقارية إحالة رسم عقاري على نظر الدائرة المختصة إذا اتضح أن حالته الاستحقاقية أصبحت غير ثابتة بسبب حالة الشيوع اللامتناهية أو عدم التنصيص على المنابات الاستحقاقية الأصلية أو تجاوز المستحقين لتلك المنابات أو غير ذلك من الأسباب الموجبة لتخليص الرسم العقاري من الجمود. والمفروض عملا بالفصل 20 من القانون ذاته أن تكون المصاريف الناتجة عن التحيين محمولة على آخر مستفيد من إجراء العملية. إلا أنه استثناء من هذا النص، أقر الفصل 21 أن الدولة يمكنها أن تسبّق المصاريف الناتجة عن الإجراءات المأذون بها طبق الفصل 11 ويتم إدراجها بموجب الحكم كدين ممتاز بالرسم العقاري. أي أنه في صورة قيام الدولة بتسبقة المصاريف الضرورية لتخليص العقار من الجمود، فلها أن تتولى استخلاصها من المدين بها بموجب امتياز خاص مسلط على العقار موضوع الرسم العقاري المحيّن.