jeudi 14 mai 2020

التأمينات العينية: آثار الامتيازات (الأفضلية والتتبع)


الجزء الثالث: آثار الامتيازات

تتمحور هذه الآثار حول اثنين: أثر ثابت وهو حق الأفضلية (العنوان الأول) وأثر قابل للنقاش وهو حق التتبع (العنوان الثاني).

              العنوان الأول: حق الأفضلية
صحيح أن الامتياز هو سبب من أسباب التفضيل يخول صاحبه استخلاص دينه قبل غيره من الدائنين.   غير أنه، خلافا لما يمكن أن يتبادر إلى الذهن، ليست الأمور في الواقع بهذه الدرجة من البساطة، إذ يعتبر تحقيق أفضلية الامتيازات وتحديد رتبتها من أعقد المسائل القانونية المطروحة في مادة التأمينات العينية نظرا لكثرة النصوص المتعلقة بهذه المسائل وتشعبها وفقدان الحلول الحاسمة أحيانا نتيجة غموض النص تارة أو غيابه تارة أخرى. كما أن أفضلية الديون الممتازة تختلف بحسب ما إذا كان تزاحمها قائما في إطار التتبعات الفردية أم الجماعية. ويفرض هذا التمييز بين نوعي الإجراءات نفسه فرضا لأن المشرع أفرد الدائنين في ميدان التنفيذ الجماعي (الفرع الثاني)، بمختلف أنواعهم، بترتيب خاص في الفصل 569 من المجلة التجارية مختلف عن الترتيب المنطبق في إطار التنفيذ الفردي (الفرع الأول).


 الفرع الأول: الأفضلية في إطار التنفيذ الفردي
لتحديد أفضلية الامتيازات في إطار التنفيذ الفردي، يتجه الانطلاق من النص الاساسي في هذا المجال وهو الفصل 195 م ح ع الذي تضمن ما يلي: "الدين الممتاز مفضل على غيره من الديون وحتى الديون الموثقة برهن عقاري.
وتفضيل بعض الدائنين الممتازين على بعض يعتمد على اختلاف صفات الامتيازات".

ويلاحظ انطلاقا من هذا النص أن المشرع تناول في مرحلة أولى أفضلية الامتياز عند تزاحمه مع الديون الأخرى غير الممتازة (الباب الأول) وتحدث في مرحلة ثانية عن الأفضلية عند تزاحم الامتيازات فيما بينها (الباب الثاني).

الباب الأول: الأفضلية عند تزاحم الامتياز مع الديون غير الممتازة

تبدو الحلول سهلة في هذا المجال بما أن الفصل 195 في فقرته الأولى كان واضحا لمّا اعتبر أن الدين الممتاز مفضل على غيره من الديون وحتى على الديون الموثقة برهن عقاري. وتطبيقا لهذه القاعدة فان الدائن الممتاز تكون له الأولوية على كل من الدائن العادي والدائن المرتهن لعقار والدائن المرتهن لمنقول فضلا عن الدائن الحابس. وتشديدا على ذلك استعمل المشرع حرف التأكيد "حتى" لرفع أي اشتباه أو شك في الافضلية التي يتمتع بها الدين الممتاز إزاء سائر الديون الأخرى. ويرتكز هذا التفوق على عنصر "صفة الدين" في الامتياز، إذ أن الاعتبارات والأسباب المختلفة التي أملت على المشرع إقرار حقوق الامتياز وإيثار بعض الديون على بعض هي نفسها التي فرضت عليه منحه الأفضلية على بقية الديون الأخرى مهما كانت طبيعتها.
ومع ذلك، وجب التنبيه إلى أن أفضلية الدين الممتاز وإن كانت محققة فهي ليست مطلقة. ذلك أن المشرع أدخل بعض الاستثناءات على قاعدة الفصل 195 م ح ع وإن كانت قليلة. جاء أولها بموجب الفصل 65 من مجلة التجارة البحرية الذي نص في فقرته الثالثة على أن الرهن البحري مقدم دائما على الامتيازات غير البحرية عامة كانت او خاصة. وثانيها، بمقتضى الفصل 17 من القانون المنظم لرهن أدوات ومعدات التجهيز المهنية الذي اقتضى ان هذا التامين يتمتع "بالأولوية على كل الامتيازات الأخرى باستثناء امتياز المصاريف المبذولة للحفاظ على الأدوات والمعدات المرهونة ومستحقات العملة والمستخدمون من الأجور غير الخالصة". كما يشار الى عدد من القوانين القديمة التي نصت على غلبة بعض الرهون الخاصة على الامتيازات كالفصل 3 من الأمر المتعلق برهن منتوجات المناجم والفصلين 3و4 من الأمر المتعلق بالرهن الفلاحي والفصل 9 من الأمر المتعلق بوران المخازن العمومية والفصل 13 من الأمر المنظم للواران الخاني والفصل 12 من الأمر المتعلق بالوران الصناعي، ثم استثنت بعض الامتيازات التي تضمن عموما ديون الخزينة او الحفظ او الأجراء.
وتعكس مختلف هذه النصوص رغبة المشرع في حماية بعض التأمينات خدمة لغايات وأهداف أخرى كتشجيع التجارة والمبادلات الدولية بتفضيل حقوق الدائن في الرهن البحري او حثّ المزودين على تمكين الحرفيين او المهنيين الشبان من بعث مشاريعهم الاقتصادية بتوثيق ديونهم برهن على المعدات او الآلات المبيعة مع تفضيلها على غيرها من الحقوق !!

الباب الثاني: الأفضلية عند تزاحم الامتيازات فيما بينها

توجد ثلاثة أشكال للتزاحم داخل الامتيازات:
- تزاحم الامتيازات العامة فيما بينها (الفقرة الأولى).
- تزاحم الامتيازات الخاصة فيما بينها (الفقرة الثانية).
- تزاحم الامتيازات العامة مع الامتيازات الخاصة (الفقرة الثالثة).

الفقرة الأولى: تزاحم الامتيازات العامة فيما بينها

هو تزاحم حتمي باعتبار ان الامتيازات العامة تقع على نفس المحل وهو مكاسب المدين وأمواله برمّتها. وبما أن الامتيازات العامة تتزاحم بالضرورة فيما بينها فقد حرص المشرع على ترتيبها معتمدا في ذلك على معيار صفة الدين. بمعنى أن المشرع إذ أحدث الامتيازات العامة بناء على اعتبارات ومبررات قدّرها، تولى أيضا تحديد رتبتها اعتماداعلى نفس المعيار. وكلّما كانت صفة الدين أقوى وأعلى شأنا في نظر المشرع، كلّما كانت رتبة الامتياز أسمى وأرفع.
وهذا ما نلاحظه في الفصل 199 م ح ع الذي يعد أهم نص منظم للامتيازات العامة. وفعلا فقد تولى المشرع صراحة في هذا النص بيان درجات الامتياز على النحو التالي: في أعلى الترتيب نجد مصاريف تجهيز الميت ثم مصاريف التداوي ثم المصاريف القضائية ثم ديون الخزينة العامة وفي الأخير الامتيازات ذات الصبغة المعاشية.
ويعدّ الفصل 199 م ح ع بهذا المعنى نصا مرجعيا باعتبار أنّ بقية النصوص المتعلقة بالامتيازات العامة تحيل إليه إمّا صراحة أو ضمنيا. وجاءت هذه النصوص على نوعين: بعضها تقيّد بترتيب الفصل 199 وبعضها الآخر غيّره وعدّله.
ويشمل النوع الأول خصوصا النصوص المتعلقة بامتياز الخزينة العامة كالفصل 115 من مجلة معاليم التسجيل والطابع الجبائي (م ت ط ج) والفصل 318 من مجلة الشغل (م ش) وكذلك الفصل 33 من مجلة المحاسبة العمومية (م م ع) الذي أقر في فقرته الأولى امتيازا عاما لفائدة الدولة والمؤسسات العامة الإدارية لاستخلاص ديونها على الغير، ثم نص صراحة في فقرته الثانية على أنّ هذا الامتياز يحتل الرتبة المنصوص عليها بمجلة الحقوق العينية. مع الإشارة إلى أن الفصل 351 من مجلة الديوانة يحيل إلى الفصل 33 م م ع متبنيا بمقتضى ذلك نفس الرتبة المقررة لديون الدولة في الفصل 199 م ح ع.

أمّا في خصوص النوع الثاني فيمكن أن نشير إلى نصّين: أولا، الفصل 66 من مجلة التأمين الذي اقتضى أن الامتياز العام للمنتفعين بعقود التأمين يقدم على الامتياز العام للخزينة خلافا لما تضمنه الفصل 199 من مجلة الحقوق العينية. وثانيا، الفصل 151 -2 م ش، المتعلق بامتياز الأجراء والذي يستفاد منه أنّ أجور العمال تحتل في جزئها غير القابل للعقلة الرتبة الأولى قبل أي امتياز آخر وفي جزئها المتبقي الرتبة الرابعة في الفصل 199 م ح ع قبل المبالغ المستحقة للخزينة. ونتيجة لهذين النصين سوف تتأخر رتبة امتياز الخزينة لفائدة كلّ من امتياز الاجراء بنوعيه المدعم والعادي وامتياز المنتفعين بعقود التأمين.

ولا تفوت الإشارة في هذا السياق إلى أن عدة نصوص أخرى في مجال الإجراءات الجماعية أدخلت تغييرا على الترتيب المقرر في الفصل 199 م ح ع ومن بينها نصوص تتعلق بامتياز الأجراء ذاته. وهذا ما سنتناوله لاحقا في نطاق الفرع الثاني. وفي انتظار ذلك، يتجه إبداء بعض التوضيحات حول تطور هذا الامتياز للمساعدة على فهمه.  فقد تم إقراره امتياز الأجراء سنة 1906 في الفصل 1630 م اع الذي منحه الدرجة الرابعة في ترتيب الامتيازات قبل امتياز الخزينة. ثم جاء الأمر العلي المؤرخ في 27 جانفي 1955 ومنحه الرتبة الأولى لضمان الجزء من الأجور المبين بالفصل الثاني منه في صورة التصفية العدلية او التفليس. وبذلك ظهرت التفرقة بين الامتياز العادي للأجور (الفصل 1630 م اع) والامتياز المدعّم (Le super privilège) (أمر 1955). واستقرت هذه التفرقة بعد الاستقلال باعتبار أنّ المجلة التجارية الصادرة سنة 1959 ميزت بين الامتياز المدعّم الذي يشمل الجزء غير القابل للعقلة من مستحقات الأجير (الفصل 564م ت) والامتياز العادي الذي يضمن خلاص بقية المستحقات (الفصل 566 م ت). ثم تأكدت هذه الازدواجية بدخول مجلة الحقوق العينية حيّز التنفيذ بما أنها كرّست في الفصل 199 الامتياز العادي للأجور مع الحط من درجته إلى الرتبة الأخيرة بعد امتياز الخزينة حال انه كان يسبقها. ولعلّه يمكن تفسير تفوق امتياز الخزينة بطبيعة النظام الاقتصادي المتبع في الستينات من القرن الماضي، وهو نظام موجه يقوم على دعم الدولة التي تعتبر المشغل الرئيسي للأفراد بما أنها هي التي تتكفل بتوفير مواطن العمل والنهوض بالسياسة الاجتماعية للبلاد، ومن ثمّ كان لزاما أن تتقدم على العامل. لكن السياسة الاقتصادية تغيرت في تسعينات القرن العشرين تماشيا مع التوجه اللّبرالي والتحرري، مما أفضى إلى تناقص التدخل المباشر للدولة أمام امتداد وتوسع الاقتصاد الخاص والمبادرات الفردية. وهذا ما أوجب نظرة حمائية أقوى وأنجع لفائدة الأجراء تبلورت بوضوح في تأخر رتبة امتياز الخزينة وتدعيم رتبة امتياز الأجراء بموجب الفصل 151-2 م ش. وما يؤكّد هذا التدعيم أن المشرع وسّع في نطاق الامتياز المدعّم للأجور ليشمل مادة التنفيذ الفردي بعد ان كان مقتصرا بمقتضى الفصل 564 م ت على الميدان التجاري في إطار الفلسة فحسب. لكننا سنرى أن موقف المشرع تغير بموجب القانون المؤرخ في 29 أفريل 2016 المتعلق بالإجراءات الجماعية حيث ستتقهقر  رتبة الامتياز العادي للأجراء إلى ما بعد رتبة امتياز الخزينة العامة عملا بالفصل 571 من المجلة التجارية.
الفقرة الثانية: تزاحم الامتيازات الخاصة فيما بينها

خلافا لمادة الامتيازات العامة، فان تزاحم الامتيازات الخاصة فيما بينها هو تزاحم استثنائي وليس حتميا. ولذلك فإن أغلب النصوص المحدثة لامتيازات خاصة لم ترتّبها. وفعلا، فالامتيازات الخاصة تتسلط على مكاسب وأموال مختلفة منقولة وعقارية، ولا يتصور مثلا، تزاحم امتياز خاص على عقار (امتياز التحيين) مع امتياز خاص على منقول (امتياز بائع الأصل التجاري) أو تزاحم امتياز خاص على منقول (امتياز بائع العربات) مع امتياز خاص آخر على منقول (امتياز بحري). ومادام التزاحم مفقودا فلا حاجة إذن للترتيب.
ومع ذلك، لا شيء يمنع في الواقع من حصول تنافس بين امتياز على عقار وامتياز على منقول أو بين امتيازين خاصين على عقار أو على منقول. وعندئذ لا بد من إيجاد حلول لفضّ هذا التنافس. وهذا ما تصدى له شراح القانون انطلاقا من معيار صفة الدين المشار إليه بالفصل 195 م ح ع (فقرته الثانية) حيث ورد: "تفضيل بعض الدائنين الممتازين على بعض يعتمد على اختلاف صفات الامتيازات". وللوقوف على الاجتهادات الفقهية في هذا المجال، يتجه التمعن أولا في المعنى الدقيق لصفة الدين في الامتيازات الخاصة (أ) قبل النظر في كيفية ترتيب هذه الحقوق عند قيام تزاحم بينها(ب).

أ-معنى صفة الدين في الامتيازات الخاصة:
 يرى أغلب الشرّاح أن الامتيازات الخاصة تقوم على الأسس الثلاثة الآتية:

أولا – فكرة الرهن الضمني: والمقصود بهذه الفكرة هو ان الاعتبارات التي دفعت المشرع إلى تقرير عدد من الامتيازات الخاصة تستند أحيانا إلى أن الإرادة الضمنية للمدين اتجهت إلى تمكين الدائن من رهن خاص على المكاسب الراجعة له. وتتحقق هذه الفكرة أساسا في الامتيازات التي يتمتع أصحابها بسلطة مادية على أموال المدين محل هذه الامتيازات. وأبرز مثال على ذلك هو امتياز المكري الذي ينبسط على المحصول الناتج عن العين المكراة (صابة، غلة...) والمنقولات الموجودة او المتصلة بها (أثاث، معدات، آلات...). وتظهر السلطة المادية للمكري من خلال حق الحبس الذي يتمتع به على الأشياء المذكورة عملا بالفصل 788 م ا ع. وحق التتبع المخول له بمقتضى الفصل 200 (ثانيا) م ح ع في صورة خروج تلك الأشياء من العين مخادعة. كما تظهر فكرة الرهن الضمني بوضوح في امتياز عميل الوساطة وامتياز عميل نقل الأشياء بما أن أفضليتهما ترتبط بالحيازة الفعلية او الحكمية للبضائع المرسلة لهما او المودعة او المؤمنة عندهما.

ثانيا-فكرة إثراء ذمة المدين: وهي فكرة بسيطة مفادها انه إذا انتقلت ملكية مال معين من الدائن الى المدين فمن العدل والإنصاف ان يستوفي الدائن حقه من هذا المال قبل غيره من الدائنين بما انه هو الذي كان سببا في اغتناء ذمة مدينه به. وتبرز هذه الفكرة في الامتيازات التي أُقرّت لاستخلاص ديون ناشئة عن عمليات تفويت كامتياز بائع السيارات والجرارات وامتياز بائع البذور وامتياز بائع الأصل التجاري وامتياز مزودي الأشغال العامة وامتياز العقلة والتبتيت. وواضح ان الامتياز يضمن في كل هذه الصور ثمن التفويت. وهو ما من شأنه أن يشجع المفوّت على التعامل مع المفوّت له ومنحه الائتمان ويطمئنه على استخلاص دينه عندما يكون التزام المفوّت له بالدفع مؤجلا.

ثالثا-فكرة الحفظ: إذا كان من يثري ذمة غيره يتمتع بامتياز، فمن المنطقي ان يتمتع بمثل هذا الحق الدائن الذي يكون له الفضل في المحافظة على ذمة مدينه الإبقاء على مكوناتها وعناصرها سواء في منفعة المدين مباشرة كما هو الحال في امتياز مصاريف الجني عملا بالفصل 200 (أولا) م ح ع، او في منفعته هو وبقية الدائنين مثلما هو الشأن في امتياز مصاريف التوزيع والترتيب على معنى الفصول 480 و484 و488 م م م ت.
ويبقى بعد عرض الأسس المكونة لصفة الدين في الامتيازات الخاصة النظر في كيفية ترتيبها.

ب-ترتيب الامتيازات الخاصة:
 يختلف هذا الترتيب بحسب ما إذا كان التزاحم حاصلا بين امتيازات خاصة لها صفات مختلفة وأسس متباينة أو بين امتيازات مستندة إلى نفس الصفة والأساس.

3  في الصورة الأولى، يمكن تصور تزاحم بين امتياز قائم على فكرة الرهن الضمني مع امتياز قائم على فكرة إثراء ذمة المدين وامتياز قائم على فكرة الحفظ. ويحصل مثل هذا التزاحم إذا كان المدين مثلا فلاحا اكترى ارضا من دائن اول واشترى بذورا من دائن ثان واستعان بدائن ثالث في القيام بأعمال الجني. او كذلك إذا كان المدين تاجرا اشترى عددا من العربات من بائع (دائن اول) وأرسلها او أودعها لدى عميل وساطة (دائن ثان) لنقلها الا انه تمت عقلتها من قبل شخص ثالث تولى بيعها وإتمام الإجراءات اللازمة لتوزيع ثمنها فأصبح دائنا بمصاريف التوزيع والترتيب !! ففي المثال الأول يحق لكل دائن ممتاز استخلاص دينه من المحاصيل الفلاحية وفي المثال الثاني يشترك الدائنون في استيفاء دينهم من ثمن العربات.
ومع ان الاجتهادات تختلف وتتباين في هذا الصدد سواء في قانوننا او في القانون المقارن، الا ان أغلبها يتجه إلى تقديم الامتيازات المستندة إلى الحفظ على الامتيازات القائمة على الرهن الضمني، وهذه على الامتيازات القائمة على إثراء ذمة المدين.
ولا مانع من تبني هذا الترتيب، اذ من المنطقي ان تتفوق صفة الحفظ على الصفتين الأخريين لأنه لولاها لما تيسّر التنفيذ على المال محل الامتياز ولأن عمل الحفظ يستفيد منه جميع الدائنين زيادة على ان ديون الحفظ مقدمة على غيرها من الديون في عدة نصوص صريحة كالفصل 71 (اولا) م ت ب والفصل 199 (ثالثا) م ح ع والفصل 17 من القانون المتعلق برهن أدوات التجهيز والفصل 9 من امر 22 فيفري 1900 المنظم لوران المخازن العمومية. مما يبرر تعميم أفضليتها على غيرها من الامتيازات. اما تفضيل صفة الرهن الضمني على صفة الإثراء فتستوجبه سلطة الدائن الفعلية او الحكمية على محل الامتياز والتي تعزز مركزه إزاء دائنين آخرين يفتقدونها. مع الإشارة الى ان بعض الشراح لا يترددون في تطبيق قاعدة ان "الحيازة في المنقول سند للحائز" على الدائن الذي ينبني امتيازه على الرهن الضمني معتبرين ان من حقه التمسك بحسن نيته لإنكار كل الحقوق المترتبة على المنقول بما في ذلك الامتيازات الأخرى. الا انه لا مجال للأخذ بهذا الرأي، على الأقل في القانون التونسي نظرا لضيق مجال الفصل 53 م ح ع. بما انه لا يمكن ان يعتصم به إلا الحائزون بوجه الملكية دون اي وجه آخر.

3وأمّا في الصورة الثانية، فيمكن ان يقع التزاحم مثلا بين بائعي بذور متعددين (صفة إثراء الذمة) او بين مكري عقار وبين عميل وساطة (صفة الرهن الضمني) او بين دائن بمصاريف الجني ودائن بمصاريف التوزيع والترتيب (صفة الحفظ). وهنا يمكن تصور أحد حلين: حل أول يتمثل في تطبيق الفقرة الأولى من الفصل 196 م ح ع واعتبار ان الدائنين المتحدين في صفة الامتياز يتساوون في الرتبة، وبالتالي لا أفضلية لأحدهم على الآخر ولا ترتيب بينهم. وحل ثان يسعى إلى إيجاد ترتيب بين الامتيازات المذكورة على أساس صفة الدين.
ويتوقف الحسم في أحد هذين الحلين في الواقع على فهم أعمق للفصل 196 (فقرة اولى) م ح ع الذي اقتضى أنه "إذا تساوى الدائنون في رتبة الامتياز فلا أفضلية لأحدهم على الآخر"، اذ ما المقصود بالتساوي في الرتبة على معنى هذا النص: هل هو الاتحاد في صفة الامتياز باعتبار أن الفصل 194 م ح ع يعرّف الامتياز بصفته وان الفصل 195 (فقرة ثانية) م ح ع يربط الترتيب بالصفة مهما كان نوع الامتياز؟ أم المقصود هو الاتحاد في الرتبة بمعناها الضيق كما حددها المشرع؟؟
إذا تبنّينا الفهم الواسع، فهذا يعني ان التساوي يحصل في كل مرة تلتقي فيها صفة الامتيازات. وينتج عن ذلك ان الامتيازات المتحدة في الصفة تكون دائما متساوية في الرتبة ولا تخضع للترتيب إلا إذا اختلفت صفاتها. أي انه إذا تزاحم دائنون يقوم امتيازهم على فكرة الحفظ او فكرة الرهن الضمني او غيرها فانه لا ترتيب داخل المجموعة من الامتيازات القائمة على نفس الفكرة وإنما مساواة وتحاصص.
أمّا إذا أخذنا الرتبة في معناها الضيق أي الرتبة المنصوص عليها صراحة في نص القانون فهذا يعني ان الامتيازات المتساوية في الصفة يجب ترتيبها. وهو ما توخاه العديد من الشرّاح عند دراستهم للامتيازات الخاصة حيث فضلوا في نطاق امتيازات الحفظ، المصاريف الأخيرة باعتبار أنّ آخر دائن تولى الحفظ هو الأقرب إلى التنفيذ. وغلبوا في نطاق الامتيازات القائمة على الرهن الضمني، صاحب الحيازة الفعلية على من ليست له إلا حيازة حكمية. أما بالنسبة إلى الامتيازات القائمة على فكرة الإثراء فقد أعطوا الأولوية لمن كان أسبق تاريخا في إضافة المال.
وهذا الفهم أجدر بالتأييد في نظرنا لكونه يراعي قواعد تفسير النصوص القانونية المقررة في الفصل 532 م اع.

الفقرة الثالثة: تزاحم الامتيازات العامة مع الامتيازات الخاصة

يعتبر التزاحم بين الامتيازات الخاصة والامتيازات العامة تزاحما ضروريا بما ان صاحب الامتياز العام له الحق في التنفيذ على اي مال من أموال المدين بما في ذلك المكاسب التي يتسلط عليها الامتياز الخاص. ولما كانت نصوص القانون لا تتضمن حلا مبدئيا لهذا التنازع، فيمكن، في تصور أول، الاتجاه الى تغليب الامتيازات العامة اعتمادا على المبررات التالية:
1/ إنّ صفة الدين في الامتيازات العامة أقوى وأجلّ شأنا مما هو الأمر في الامتيازات الخاصة. فالاعتبارات التي تقوم عليها الامتيازات العامة لها صلة إما بالمصلحة العامة (امتياز الخزينة العامة) أو بدوافع إنسانية أو معاشية (امتياز الأجراء أو الأطباء...). أما الامتيازات الخاصة كامتياز بائع الجرارات أو الأصل التجاري او المكري فلا تهدف إلا إلى حماية مصالح خاصة. ومعروف أنه "إذا تعارضت منفعة عامة مع منفعة خاصة ولم يمكن التوفيق بينهما قدّمت العامة" (الفصل 557 م ا ع).
2/ إنّ وعاء الامتياز العام أي المكاسب التي يمتد إليها، هو أكثر شمولا واتساعا من وعاء الامتياز الخاص. ومن ثمّ يمكن القول بوجود رغبة ضمنية لدى المشرع في تمكين صاحب الامتياز العام من استيفاء دينه قبل صاحب الامتياز الخاص. ويتأكد ذلك باعتبار أن هناك من يرى أن صاحب الامتياز العام غير مقيد   بقاعدة التنفيذ الاحتياطي على المنقولات ويحق له التنفيذ على أي مال من أموال المدين، خلافا لصاحب الامتياز الخاص الذي قيّده الفصل 306 م م م ت بواجب عقلة المال موضوع الامتياز أولا فان لم يجده او لم يكن كافيا لخلاصه يمكن له بعد ذلك عقلة بقية المكاسب باعتباره دائنا عاديا لا غير.
 لكن الرأي السائد لدى الاجتهاد الفقهي يذهب الى تفضيل الامتيازات الخاصة على الامتيازات العامة استنادا إلى الحجج الآتية:
1/أن فكرة التخصيص تتوفر في الامتيازات الخاصة دون الامتيازات العامة. ويترتب على هذه الفكرة إقرار الطبيعة العينية للامتيازات الخاصة مقابل نفيها عن الامتيازات العامة. فتعتبر هذه الأخيرة مجرد أوصاف تلحق بعض الديون لتجعلها مفضلة على الديون العادية لا أكثر ولا اقل. أما الامتيازات الخاصة فهي حقوق عينية حقيقية بما أنها تتسلط على أشياء معينة بالذات. وغني عن البيان أن التنازع بين الحق العيني والحق الشخصي يحسم لفائدة الأول نظرا إلى الصلاحيات التي يمنحها لصاحبه.
 2/إن القواعد العامة للتأويل تقتضي أن "الأصل ارتكاب أخف الضررين" (الفصل 556 م ا ع). ولا شك أنّ تفضيل الامتياز الخاص على الامتياز العام يحدث ضررا أقل من الحل المعاكس. ذلك أن منح الأولوية إلى الامتياز العام يمكن أن يؤدي إلى حرمان صاحب الامتياز الخاص من استخلاص دينه باعتبار أنه يحقّ لصاحب الامتياز العام التنفيذ على كل مكاسب المدين بما فيها تلك التي يتسلط عليها الامتياز الخاص. أما إذا سبّقنا الامتياز الخاص، فيبقى دائما لصاحب الامتياز العام الحق في التنفيذ على المكاسب الأخرى للمدين غير المشمولة بالامتياز الخاص.
3/ ردا على الحجة القائلة بضرورة ترجيح المصلحة العامة على المصلحة الخاصة عملا بالفصل 557 م ا ع، وجب التنبيه إلى أن هذا الترجيح مشروط بعدم التوفيق بين المصلحتين. أما إذا أمكن ذلك فلا مانع من تغليب المنفعة الخاصة على العامة. وهو ما يتيسّر في صورة الحال بما أنّ حظوظ صاحب الامتياز العام في الاستخلاص تبقى وافرة حتى لو وقع تفضيل الامتياز الخاص عليه. مع التذكير في هذا الصدد بأن قاعدة: "النص الخاص يقدم على النص الخاص" المقررة في الفصل 534 م ا ع، تدعم ترجيح الامتياز الخاص على العام.
4/ إن المشرع أقر صراحة في مجال الإجراءات الجماعية أفضلية الامتيازات الخاصة على الامتيازات العامة (الفصل 569 م ت).

الفرع الثاني: الأفضلية في إطار التنفيذ الجماعي

اقتضى الفصل 569 م ت ما يلي: "يوزع المال المتحصل عليه من إحالة المؤسسة أو بعض أصولها أو كرائها أو كرائها كراء مشفوعا بإحالتها أو بإعطائها للغير في نطاق وكالة حرة أو تفليسها على جميع الدائنين التي اختبرت واعتمدت ديونهم بعد طرح المبالغ التي سبق دفعها، وذلك وفق الترتيب التالي:
ـ الديون ذات الامتياز المدعّم،
ـ الديون ذات الأولوية المنصوص عليها بالفصول 429 و450 و490 من هذه المجلة،
ـ الديون المتمتعة بحق الحبس في حدود النسبة التي تمثلها قيمة المال المحبوس مقارنة بمحصول الإحالة أو معين الكراء الجملي أو التصفية،
ـ الديون ذات امتياز خاص في حدود النسبة التي تمثلها قيمة المال الموظف عليه الامتياز مقارنة بمحصول الإحالة أو معين الكراء الجملي أو التصفية،
ـ الديون ذات امتياز عام وفق ترتيبها. ولا تكون الديون المتمتعة بامتياز الخزينة إلا في حدود أصل الدين ولمدة لا تتجاوز الأربع سنوات السابقة لتاريخ قرار قفل جدول الديون. ولا ينطبق هذا الأجل على الديون الجبائية بعنوان المبالغ المخصومة من المورد و الأداءات على رقم المعاملات و غيرها من الأداءات غير المباشرة و كذلك على ديون الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بعنوان قسط المساهمات المقتطعة و المحمول على الأجراء.
وتتحاصص الديون ذات امتياز عام مع الديون العادية في الباقي،
-الديون الموثقة برهون في حدود النسبة التي تمثلها قيمة المال المرهون مقارنة بمحصول الإحالة أو معين الكراء الجملي أو التصفية.
ـ باقي الديون".
ويستدعي هذا النص إبداء الملاحظات الآتية:
1/ أن تطبيقه ينحصر في مجال الإجراءات الجماعية، أي في الصور التي تكون فيها إحدى المؤسسات المشار إليها في الفصل 416 م ت خاضعة لإجراءات الإنقاذ أو التفليس.
2/ أنه يبين الحلول الواجب تطبيقها في صورة التزاحم بين مختلف الدائنين سواء أكانوا مفضلين أم عاديين.
3/ أنه يحيل إلى عدة نصوص متفرقة في الامتيازات العامة أهمها امتياز الأجراء في الفصل 151-2 من مجلة الشغل وامتياز الديون الجديدة في الفصول 429 و450 و490 من المجلة التجارية.
4/ أنه يتضمن ترتيبا خاصا مختلفا عن الترتيب الجاري به العمل في إطار التنفيذ الفردي يستوعب كل أنواع الديون والتأمينات العينية بدءا من الامتيازات بنوعيها العامة والخاصة ومرورا بحق الحبس والرهون وانتهاء بالديون العادية.
aوتتصدر أعلى الترتيب، الديون ذات الامتياز المدعم، التي تدعى أيضا بالامتيازات الممتازة أو الامتيازات من الدرجة الأولى (Les super privilèges). وهي التي أحصاها الفصل 570 من المجلة التجارية كما يلي:
- أجور العملة في جزئها غير القابل للعقلة (الحجز) وفق أحكام الفصل 151 ثانيا من مجلة الشغل.
- ديون المستخدمين والبحارة ونواب التجار المتجولين وممثلي التجارة للستة أشهر الأخيرة السابقة لحكم التسوية القضائية او التفليس.
- الديون المنصوص عليها بالفقرات 1و2و3 من الفصل 199 من مجلة الحقوق العينية. اي مصاريف تجهيز الميت والمصاريف العلاجية فالمصاريف القضائية.
وغني عن التذكير بمبررات منح هذه الامتيازات الرتبة الأولى وهي الاعتبارات المعاشية (الفصل 2.151 م ش) والإنسانية أو الصحية (الفصل199 أولا وثانيا من م ح ع) وكذلك الحفظية ( الفصل 199 ثالثا من م ح ع ).
aوتأتي في المرتبة الثانية مجموعة اخرى من الديون الممتازة. وهي التي أطلق عليها "الديون ذات الأولوية المنصوص عليها بالفصول 429 و450 و490 من هذه المجلة". وتشمل هذه الامتيازات الديون الجديدة في إطار التسوية الرضائية (الفصل 429) والديون الجديدة في إطار التسوية القضائية (الفصل 450) إضافة إلى امتياز المكرى (الفصل 490). وأساس هذه الرتبة هو تشجيع المستفيدين من الامتيازات المذكورة على الانخراط في عملية إنقاذ المؤسسة ومساعدتها على مواصلة نشاطها.
aوتأتي بعد هذه الامتيازات، الديون المتمتعة بحق حبس. وبذلك يصبح للدائنين الذين مارسوا حق حبس على منقول او عقار تابع للمؤسسة إمكانية استخلاص المبالغ التي يستحقونها في المرتبة الثالثة وان كان في حدود قيمة المال المحبوس بعد إحالته او كرائه. وهو أمر طبيعي باعتبار انه لا يمكن التوسع في ميدان حق الحبس خارج مجاله الضيق.
aأما في الرتبة الرابعة فنجد الديون ذات الامتياز الخاص سواء أكان محل الامتياز عقارا أم منقولا. وعلى غرار حق الحبس، ينحصر التفضيل في إطار هذه الامتيازات في حدود قيمة المتحصل من التفويت في المال موضوع الامتياز سواء بمقتضى إحالته او تصفيته او من كرائه.
aثم ترد الامتيازات العامة لتحتل الدرجة الخامسة في قائمة الفصل 569 م ت. لكن المشرع لم يضعها في منزلة واحدة وإنما قرّر الأخذ بها وفق ترتيبها. وهو ما يفضي ضمنيا إلى الإحالة على الفصل 199 م ح ع الذي رتب الامتيازات العامة والى النصوص الأخرى المرتبطة به ضرورة كالفصل 66 من مجلة التأمين الذي ينص على انه "يحمل على أصول مؤسسات التأمين امتياز عام يخصص حسب الأولوية لخلاص المنتفعين بعقود التأمين على الحياة في حدود الاصول المخصصة لهذه العقود يليهم فيما بعد المنتفعون بعقود التأمين على غير الحياة". ويقدم هذا الامتياز على الامتياز العام للخزينة وذلك خلافا للفصل 199 من مجلة الحقوق العينية. على انه سعيا للحد من "تغوّل" امتياز الخزينة، أقر المشرع في الفصل 569 ان المبالغ المستحقة للدولة لا تحتل الرتبة الخامسة الا في حدود أصل الدين ولمدة لا تتجاوز الأربع سنوات السابقة لتاريخ قرار قفل جدول الديون. وتتحاصص ديون الخزينة ذات الامتياز العام مع الديون العادية في الباقي.
aوأما الرتبة السادسة فقد وقع إسنادها إلى الرّهون بأنواعها سواء أكانت عقارية أم منقولة، حيازية أم غير حيازية، اتفاقية أم قانونية وذلك في حدود قيمة المال المرهون. ويعدّ هذا الحكم تطبيقا أمينا للفصل 195 من مجلة الحقوق العينية في فقرة الأولى الذي اقتضى أن الامتيازات تتفوق على سائر الديون وحتى على الديون الموثقة برهن عقاري.
لكن يلاحظ انه خلافا للدائنين الممتازين الذين يتفوقون في الرتبة بقوة القانون، فان أصحاب الرهون لا يتمتعون بأفضليتهم إلا إذا أشهروا رهونهم عن طريق الشكليات المقررة قانونا. وإلا فإنهم يتدحرجون إلى المرتبة الأخيرة في الفصل 569 م ت باعتبارهم دائنين غير مفضّلين يعاملون على قدم المساواة مع الدائنين العاديين ويخضعون مثلهم إلى قاعدة التحاصص.

العنوان الثاني: حق التتبع
خلافا للرهن العقاري الذي يعتبر حق التتبع من آثاره البديهية، يبدو الأمر قابلا للنقاش في ميدان الامتيازات. والسبب هو انعدام أي إشارة إلى هذا الحق في تعريف الامتياز الوارد بالفصل 194 م ح ع وغياب أي نصّ مماثل أو مضاه  للفصلين 270 و280 م ح ع اللذين أسندا صراحة إلى الدائن المرتهن الحق في تتبع العقار المرهون بين يدي الغير.
 فإلى أي مدى يمكن الإقرار بتوافر حق التتبع في الامتيازات من عدمه؟
جوابا عن هذا السؤال يوجد موقفان: موقف مؤيد لوجود حق التتبع وموقف رافض له.
3أما الموقف المؤيّد، فيرتكز على الحجج الآتية:
1/ الامتياز بتعريفه في الفصل 194 م ح ع هو حق عيني، ومن خصائص الحق العيني باعتباره سلطة على الشيء أن صاحبه له الحق في تتبعه بين يدي الغير. وإذا قيل بأن المشرع لم يشر إلى حق التتبع عند تعريفه للامتياز، فيمكن الرد على هذه الحجة بأن المشرع لم يتعرض أيضا إلى هذا الحق بمناسبة تعريف الرهن في الفصل 201 م ح ع ولا أحد ينكر وجود حق التتبع في الرهن العقاري.
2/ الامتياز بتعريفه أيضا هو سبب من أسباب التفضيل. ولا قيمة لحق الأفضلية إذا لم يكن مشفوعا بحق التتبع. وفعلا، إذا كان بإمكان المدين التفريط في مكاسبه دون أن يكون للدائن الممتاز حق تتبعها بين يدي الغير، أصبح حق الأفضلية الممنوح له خاليا من أي فاعلية أو نجاعة نتيجة انعدام المكاسب التي يمكن أن يمارس عليها هذا الحق.
3/ إن حق التتبع متوفر في بقية التأمينات العينية من رهن عقاري ورهن على منقول وحق حبس. وما دام أنّ الامتياز مفضل على هذه التأمينات، فمن المنطقي ان يكون حق التتبع من آثاره الطبيعية ولو في غياب نص صريح وذلك تطبيقا لقاعدة أن "من أمكنه الأكثر أمكنه الأقل".
4/ وجود بعض النصوص التي تشير صراحة إلى جواز ممارسة حق التتبع من قبل الدائن الممتاز. من بينها الفصل 34 من مجلة المحاسبة العمومية الذي اعتبر أن ماسك الثمار أو المداخيل التابعة للمنقولات أو العقارات محل الامتياز بأي عنوان كان هو متضامن وجوبا مع المطلوب الأصلي بإيفاء الضريبة أو الرسم أو المعلوم موضوع ضمانها. والفصل 115 من مجلة معاليم التسجيل والطابع الجبائي الذي نصّ في فقرته الثانية على أنه:" لاستخلاص معاليم التسجيل على التركات تتمتع الخزينة بامتياز على مداخيل الأملاك الواجب التصريح بها وذلك مهما كان الحائز لها". وكذلك الفصل 66 من مجلة التجارة البحرية الذي جاء به:" للدائنين الذين رسم امتيازهم أو رهنهم على سفينة أن يتتبعوها أيا كانت اليد التي انتقلت إليها للمحاصة بديونهم واستخلاصها بحسب درجتها أو درجة ترسيماتهم".
بيد أن هذه الحجج على وجاهتها، لم تلق إجماع الشراح.
3وأما الموقف الرافض، فيعتمد على الأسانيد الآتية:
1/ حق التتبع لا يجوز إلا إذا كان هناك مال معين من أموال المدين مخصص للوفاء بالدين. لكن شرط التخصيص مفقود في الامتياز ات العامة بما أنها لا ترتبط بمال معين وإنما تسري على مكاسب المدين برمّتها. ولا يظهر أثر حق الامتياز إلا في آخر مرحلة من مراحل التنفيذ على مكاسب المدين، أي عند توزيع ثمن البيع على الدائنين.
2/ صحيح أن حقوق الدائن الممتاز تستحق الحماية لاسيما عند تعمد المدين التفريط في مكاسبه تجنبا للتنفيذ عليها. لكن هذه الحماية لا ينبغي أخذها على إطلاقها والتوسع فيها بما أنها جاءت استثناء لقاعدة المساواة.
3/ إن الإشارة إلى حق التتبع في إطار بعض الامتيازات الخاصة على منقول، هو دليل على صبغته الاستثنائية وأن الأصل هو انعدامه، إذ لو كان مقررا كمبدإ عام لما احتاج المشرع إلى الإشارة إليه في نصوص خاصة.
4/ إن ممارسة حق التتبع تقتضي إشهار الامتيازات حتى يمكن الاحتجاج بها على الغير، وقد سبق القول إن الامتيازات تنشأ بقوة القانون ولا تحتاج لوجودها سواء بين الأطراف أو إزاء الغير إلى إشهارها. كما أن ترتيبها يقع استنادا إلى معيار صفة الدين بموجب نص صريح أو بناء على الاجتهاد عند الاقتضاء ولا دخل للإشهار في عملية الترتيب.