mercredi 1 avril 2020

آثار الرهن العقاري بين الطرفين



         

              العنوان الثاني: آثار الرهن العقاري
يرتب الرهن العقاري آثارا مختلفة لعل أبرزها بين طرفيه، تخويل الدائن المرتهن حق التنفيذ على العقار المرهون في صورة تخلف المدين عن الوفاء بالدين. وتبلغ فاعلية الرهن أوجها إزاء الغير باعتبار أن التأمين العيني معد بالأساس لكي يمارس تجاه الغير بواسطة حقي الأفضلية والتتبع.
ويفهم من هذا أن دراسة آثار الرهن تقتضي التمييز فيها بين ما هو متعلق بأطرافه (الباب الأول) وهو مرتبط بالغير(الباب الثاني).

الباب الأول: آثار الرهن بين أطرافه.
لتحليل آثار الرهن بين الدائن المرتهن والمدين الراهن، يتجه التمييز بين فترتين: ما قبل حلول أجل الدين (الفقرة الأولى) وما بعده (الفقرة الثانية).

              الفقرة الأولى: آثار الرهن قبل حلول الدين
الأصل أنه قبل حلول أجل الدين الذي يضمنه الرهن، يبقى الراهن سواء أكان مدينا أم كفيلا عينيا محافظا على كل السلطات والصلاحيات التي يستمدها من حق الملكية. ذلك أن الرهن باعتباره تأمينا عينيا غير حيازي، لا يحرم المالك من مواصلة حيازة العقار المرهون ولا يجرده من حقوق الاستعمال والاستغلال والتفويت على معنى الفصل 17 م ح ع.
وفي المقابل تقتضي حماية مركز الدائن المرتهن تمكينه من حق الاعتراض على كل الاعمال الصادرة عن الراهن التي يمكن ان تؤدي الى المساس من قيمة العقار او التي قد تضعف من حقوق الدائن. وهذا يعني أن الرهن يفرض على صاحب العقار واجب المحافظة على قيمة العقار واحترام حقوق الدائن المرتهن. وهو ما تقرر صراحة في الفصل 207 م ح ع الذي جاء به أنه: "ليس للراهن أن يفعل بالمرهون ما ينقص قيمته بالنسبة لما كان عليه وقت العقد ولا ما يمنع المـرتهن من إجراء الحقوق الناشئة له من الرهن ".
ويترتب على عدم احترام هذين الالتزامين جزاء خاص يتمثل في سقوط اجل الدين عملا بصريح الفصل 276 م ح ع الذي تضمن أنه: "إذا هلكت العقارات المرهونة او تعطبت بحيث أصبحت غير كافية لضمان الدين كان للدائن الحق في طلب الوفاء بالدين". وتعتبر هذه القاعدة تطبيقا للفصل 149 م اع الذي يوجب سقوط الاجل في صورة إنقاص المدين للضمانات التي قدمها للدائن.
 أما إذا كان هلاك العقار أو تعيبه بغير فعل الراهن أو تقصيره، فإنه يمكن تفادي جزاء سقوط الأجل بتقديم رهن جديد معوض لسابقه أو مكمل له، مثلما تؤكده الفقرة الثانية من الفصل 276 م ح ع بقولها: " على أنه إذا كان الهلاك أو العطب بغير فعل المدين جاز لهذا الأخير أن يعرض لدائنه رهنـا عقاريـا إضافيا".  

الفقرة الثانية: آثار الرهن بعد حلول الدين

يصبح الدين أساس الرهن مستحق الأداء إما بحلول الأجل أو بسقوطه. وعندئذ لا يخلو الأمر من فرضيتين: إما أن يتولى المدين الوفاء بالدين أو يمتنع عن الأداء.

J إذا وقع الوفاء بالدين، فإن الدين ينقضي ويزول معه الرهن بالتبعية. وعلى الدائن في هذه الصورة رفع يده على الرهن وتخليص العقار من التحمل الذي يثقله. وبذلك يتسنى للراهن التشطيب على الرهن من الرسم العقاري في صورة ما إذا كان العقار المرهون مسجلا.

              Lأما إذا لم يقع الوفاء بالدين، فعندئذ يكون من حق الدائن السعي إلى اقتضاء المبالغ المتخلدة في ذمة مدينه عن طريق إجراءات العقلة العقارية التي تخوّله بيع العقار المرهون جبريا امام القضاء واستخلاص دينه ثمنه.
ويمارس الدائن المرتهن العقلة العقارية وفق أحكام الفصل 410 وما بعده من مجلة المرافعات المدنية والتجارية مثله مثل أيّ دائن آخر أكان عاديا أم مفضلا.
ومع ذلك، لابد من التنبيه إلى أن المشرع أفرد الدائن المرتهن في باب التنفيذ ببعض القواعد الخاصة التي تتماشى مع وضعيته. ولئن كان المجال لا يتسع لتفصيلها باعتبارها تابعة لدرس طرق التنفيذ، إلا أنه لا مانع من الإشارة إلى أهمها:

Kأولا: ما يعرف فقها "بقاعدة التنفيذ الاحتياطي" التي تفرض على كل صاحب تأمين عيني باستثناء الامتياز العام، أن يبدأ بالتنفيذ على العين محل التأمين. ولا يحق له التنفيذ على غيرها من مكاسب المدين إلا إذا لم يتمكن من استيفاء كامل دينه.
 وهذه القاعدة مستمدة من الفصل 306 م م م ت الذي تضمن ما يلي: "ليس لمن كان مرتهنا أو صاحب امتياز خاص من الدائنين أن يطلـب عنـد كفايـة مكاسـب مدينـه المخصصة لضمان دينه بيع غيرها من المكاسب.
وليس له أن يعارض في عقلة المنقولات أو العقارات المخصصة لضمان دينه أو في بيعها جبريا متى طلب ذلك غيره من الدائنين وإنما له الاعتراض على المتحصل من البيع وإظهار ما له من حق الأولوية عند توزيع الثمن.
لكن له أن يعارض في عقلة المكاسب وبيعها جبريا من طرف غيره من الدائنين عندما تكـون قيمـة المكاسب المخصصة لضمان دينه غير كافية لخلاصه".

Jثانيا: التنفيذ مباشرة على العقار المرهون دون حاجة إلى سند تنفيذي وذلك استنادا إلى الفصل 451 م م م ت الذي أقرّ أن: "عقلة العقارات المسجلة عقلة تنفيذية يمكن أن تقع بمقتضى سند تنفيذي أو سـند مرسـم بالسجل العقاري".
ويسري هذا النص بداهة على الدائن المرتهن لعقار مسجل. ومضمونه أن ترسيم الرهن في الدفتر العقاري يعفي صاحبه من مشقة التوجه إلى المحكمة قصد استصدار حكم بإلزام المدين بأداء الدين المضمون. وإنما يمكن للدائن المرتهن الاستناد إلى الرهن المرسم للقيام مباشرة بإجراءات العقلة العقارية دون حاجة إلى حكم قضائي.

              Kثالثا: وجوبية العقلة العقارية. وفعلا، يعدّ الدائن المرتهن مجبرا على اتباع إجراءات العقلة العقارية، ولا يمكنه اقتضاء حقه باتباع وسائل أو طرق أخرى. وهو ما يستنتج من الفصل 298 م ح ع في باب الرهن العقاري الذي أقرّ بوضوح أنه: "يجرى البيع حسب الاجراءات المقررة في البيوعات العقارية الـواردة بمجلـة المرافعـات المدنيـة والتجارية".  
ويفضي هذا النص منطقيا إلى إقصاء نوعين من الاتفاقات أو البنود التي قد تغري الدائن فيسعى إلى اشتراطها عند تعامله مع مدينه. وهي شرط التملك بالعقار المرهون" Le Pacte Commissoire" وشرط الطريق الممهّد "La clause de voix parée  ".
-أما الأول فهو الشرط الذي يلتزم بمقتضاه المدين بأنه في صورة عدم خلاص الدين يصبح الدائن المرتهن آليا مالكا للعقار المرهون.
- وأما الثاني، فهو الشرط الذي يمنح بموجبه المدين للدائن المرتهن الحق في بيع العقار المرهون دون اتباع إجراءات العقلة العقارية.
وأساس إقصاء هذين الشرطين هو تفادي تعسف الدائن بلا وجه مشروع. ذلك أن قيمة العقار المرهون يمكن أن تتجاوز قيمة الدين المضمون. فإذا صار الدائن مالكا للعقار مباشرة بموجب شرط التملك، أدى ذلك إلى إثرائه على حساب المدين بحصوله على أكثر مما يستحقه. فضلا عن أن الدائنين الآخرين لنفس المدين سيحرمون من حقهم في التنفيذ على العقار، وبالتالي من إمكانية استخلاص ديونهم. وكذا الحال إذا تولى الدائن المرتهن بيع العقار خارج إجراءات العقلة العقارية عملا بشرط الطريق الممهد. ففي هذه الصورة، يمكن أن يقع التفويت في العقار بأقل من قيمته الحقيقية، فيحرم المدين من الاستفادة من الفارق في القيمة ومعه دائنوه الذين كان بإمكانهم استيفاء ديونهم لو تم التنفيذ عن طريق العقلة العقارية لما توفره هذه الوسيلة من ضمانات.
وعلى الرغم من أن المشرع لم ينص صراحة على بطلان التعامل بالشرطين المذكورين في مجال الرهن العقاري أو بطلانهما، إلا أن هذه النتيجة تستفاد ضرورة من خلال الفصل 298 م ح ع الذي أحال أحكام البيوعات العقارية الواردة بمجلة المرافعات المدنية والتجارية. كما يمكن الوصول إليها بمقتضى القياس على الفصل 256 م ح ع في باب رهن المنقول الذي تضمن ما يلي: " يعد باطلا كل شرط ولو بعد العقد من شأنه أن يخول الدائن تملك الرهن أو التصرف فيه بدون إتمـام الشكليات التي أوجبها القانون عند عدم وفاء المدين بالدين.
 كما يعد باطلا كل شرط ولو بعد العقد من شأنه أن يخول الغير المؤتمن تصفية الرهن وخلاص الدائن بدون إتمام الشكليات التي أوجبها القانون عند عدم وفاء المدين بالدين".

Lرابعا: تعذر التنفيذ على العقار المرهون في صورة وجود إجراءات جماعية.  وتعدّ إجراءات جماعية على معنى الفصل 413 من المجلة التجارية (م ت) الإجراءات التي تهدف إلى إنقاذ المؤسسات المارة بصعوبات اقتصادية عن طريق نظامي التسوية الرضائية أو التسوية القضائية. وفي صورة استحالة الإنقاذ، القضاء بتفليسها وتصفيتها. وفي كل صورة من هذه الصور الثلاث تتعطل أعمال التنفيذ بما في ذلك على العقارات المرهونة إما بموجب قرار قضائي عملا بالفصل 427 م ت في إطار التسوية الرضائية أو بقوة القانون تطبيقا للفصل 449 م ت في باب التسوية القضائية والفصل 488 م ت المتعلق بالتفليس.
لكن تعليق حق الدائن المرتهن في التنفيذ لا يعني انعدام أي أثر للرهن العقاري.