mercredi 8 avril 2020

آثار الرهن العقاري إزاء الغير


الباب الثاني: آثار الرهن إزاء الغير
تتمحور آثار الرهن العقاري إزاء الغير في حقين يمنحهما القانون للدائن المرتهن ضمانا لاستخلاص دينه: حق الأفضلية (الفقرة الأولى) وحق  التتبع (الفقرة الثانية).

       الفقرة الأولى: حق الأفضلية
يقرّ المشرع في الفصل 193 م ح ع أن الرهن هو سبب من أسباب التفضيل. ويدقّق الفصل 201 م ح ع ذلك بقوله إن الرهن يخول للدائن الحق في استيفاء دينه قبل غيره من الدائنين إذا لم يوف له المدين بما عليه. وهذا يعني أن حق الأفضلية هو من جوهر الرهن.
ويربط الفصل 278 م ح ع حق الأفضلية بالإشهار سواء في صيغته الأصلية التي تضمنت أن الرهن: "لا يأخذ مرتبته بين الديون الا من تاريخ ترسيمه"، أم في صيغته الجديدة بموجب القانون عدد 46 لسنة 1992 المؤرخ في 4 ماي 1992 حيث ورد أنه: "لا يتكون الرهن العقاري الا بعد ترسيمه ويرتب بين الرهون العقارية حسب القواعد المنصوص عليها بهذه المجلة".

وتفترض ممارسة حق الأفضلية قيام ثلاثة شروط متضافرة:
أولا: تعدد الدائنين، اذ لا يعقل إذا كان الدائن المرتهن منفردا، أن يفضل على نفسه.

              ثانيا: وحدة محل التنفيذ، أي أن يتعلق حق الدائنين المتزاحمين بالتنفيذ على نفس العقار.

              ثالثا: عدم كفاية ثمن العقار لخلاص كافة الديون، اذ في الحالة المعاكسة لا معنى لأي تفضيل ما دام أن كل دائن سيستوفي حقه كاملا.

وبتوفر كل هذه الشروط، يتسنى تحقيق التفضيل بتطبيقه على ثمن العقار المرهون بما يشمله من ملحقات وما زيد فيه من تحسينات تطبيقا للفصل 272 م ح ع (فقرة أولى). وكذلك غلاله المتوفرة ابتداء من يوم عقلته عملا بالفصل 415 م م م ت.
ويقع الحصول على ثمن العقار عن طريق تحويله الى قيمة نقدية بواسطة عقلته وبيعه جبريا بالمزاد العلني سواء بموجب التتبع الفردي ام في نطاق الإجراءات الجماعية.
على أنه يمكن في صور استثنائية تحويل العقار إلى قيمة نقدية بطريقة أخرى كالتطهير من واضع اليد بعرض ثمن العقار أو قيمته وقبوله من لدن الدائنين، أو بتطبيق نظرية الحلول العيني كما في حالة الانتزاع للمصلحة العامة، إذ يعوض العقار المرهون بغرامة الانتزاع التي تكون محلا لحق الأفضلية.
 ويقتضي تحقيق التفضيل تحديد مراتب الدائنين في ضوء تاريخ الترسيم إذا كان الرهن متعلقا بعقار مسجل (الفصل 278 م ح ع) أو تاريخ التنصيص على الرهن فوق رسم الملكية إذا تعلق الامر بعقار غير مسجل (الفصل 279 م ح ع).
 ويجب التنبيه في هذا الصدد، إلى ان الدائنين المتزاحمين ليسوا من نوع واحد. فهناك إلى جانب الدائن المرتهن، الدائن العادي والدائن الممتاز والدائن الحابس... وفي صورة تعدد هؤلاء الدائنين وعدم كفاية ثمن العقار لخلاصهم جميعا، يجد الدائن المرتهن نفسه في وضعية تزاحم معهم. ويطرح السؤال هنا عن كيفية فض التزاحم بين مختلف هؤلاء الدائنين؟ وكيف يمارس الدائن المرتهن أفضليته؟ وإلى أي مدى تكون له الأولوية في الخلاص على غيره من الدائنين؟ وكيف تحدد رتبة الرهن العقاري بين التأمينات العينية الأخرى من امتياز ورهن منقول وحق حبس؟؟؟
الجواب المبدئي على هذه الأسئلة، هو أن ترتيب الدائنين المتزاحمين يتحدد بالرجوع إلى تاريخ الإشهار (أ).  غير أن هذا المعيار تتداخل معه معايير أخرى في بعض الحالات، فيصبح غير كاف لفض التزاحم بين الدائن المرتهن وغيره من الدائنين (ب).

        أ -الإشهار معيار كاف لتحقيق التفضيل

يكون الإشهار معيارا كافيا لممارسة حق الأفضلية وتحديد رتبة الديون، إذا كان التزاحم بين الدائنين المرتهنين والدائنين العاديين (فرضية أولى) أو بين الدائنين المرتهنين لنفس العقار (فرضية ثانية) أو كذلك بين الدائن المرتهن لعقار والدائن المرتهن لمنقول (فرضية ثالثة).

            <إذا تم التنفيذ على العقار المرهون وتقدم إلى التوزيع دائن مرتهن ودائن عادي، فلا شك أن التقدم يكون للدائن المرتهن بما أن الرهن هو سبب من أسباب التفضيل التي تخرج صاحبها من قاعدة المساواة بين الدائنين. ويؤدي ذلك إلى تمكين الدائن المرتهن من استخلاص كامل دينه. وإن بقي شيء فيعطى للدائن العادي. أما إذا لم يبق شيء، فيحرم من استخلاص دينه اللهم إلا إذا كانت للمدين مكاسب أخرى قابلة للتنفيذ عليها.
لكن يمكن أن يجرد الدائن المرتهن من أفضليته إذا لم يحترم واجب الإشهار، إذ يتحول في هذه الصورة إلى دائن عادي خاضع للمساواة. بل قد يفوت على نفسه إمكانية التحاصص إذا كان الدائن العادي أحرص منه في استكمال إجراءات التنفيذ قبل أن يتفطن الدائن المرتهن إلى ذلك ويسعى إلى المشاركة في عملية التوزيع.

              <أما إذا تم التنفيذ على العقار وتقدم إلى التوزيع دائنان مرتهنان لنفس العقار فما أكثر، فإن الترتيب يتحدد بتاريخ إشهار الرهن، فتكون الأولوية لمن كان أسبق من غيره في ترسيم رهنه بالرسم العقاري إذا تعلق الأمر بعقار مسجل أو في التنصيص عليه بسند الملكية إذا كان محل الرهن عقارا غير مسجل.
على أنه إذا تم الإشهار في نفس اليوم، فلا أفضلية لدائن على آخر وإنما مساواة وتحاصص عملا بالفصل 278 م ح ع (فقرة ثانية) الذي نص على أن: "الرهون التي ترسم في يوم واحد تكون متساوية في الرتبة". وغني عن التأكيد على أن هذه القاعدة تمتد إلى رهن العقارات غير المسجلة بما أن المشرع لم يفرده بحكم مغاير. كما يلاحظ إذا تم الإشهار في ذات اليوم، يصبح هذا المعيار عديم الفائدة في تحقيق التفضيل.

              <ويمكن الاعتماد على معيار الإشهار أيضا لحسم التزاحم بين الدائن المرتهن لعقار والدائن المرتهن لمنقول. وربما تبدو هذه الفرضية غير جائزة نظرا لاختلاف المحل في كل رهن، وقد سبق القول إن من شروط التزاحم وحدة محل التنفيذ.
ومع ذلك، فلا مانع من قيام التزاحم بين الرهنين ولو بصفة استثنائية خاصة في إطار رهن المنقول غير الحيازي، أي الرهن الذي يبقى فيه المنقول المرهون في حوزة الراهن. وقد طرح ذلك فعلا في فقه القضاء بمناسبة قضية متعلقة بمعصرة زيتون.  وتتلخص وقائع هذه القضية في قيام المدين بشراء آلة لاستخراج زيت الزيتون. وضمانا لخلاص ثمنها تولى رهنها رهن منقول لفائدة البائع. ثم عمد إلى تركيز هذه الآلة وتثبيتها في عقاره مما صيرها عقارا بالتخصيص على معنى   الفصل 10 م ح ع.  كما أقدم بعد ذلك على رهن العقار ضمانا لدين آخر. إلا أنه عجز عن الوفاء بما تخلد في ذمته، مما اضطر كلا من الدائن المرتهن للمنقول (آلة عصر الزيتون) والدائن المرتهن للعقار إلى التنفيذ على العقار مع ما التحم به من منقول. وبذلك قام التزاحم بين رهن المنقول والرهن العقاري والحال أن كل واحد منهما له محل مختلف.
ولفض هذا التزاحم، كان لابدّ من الرجوع إلى تاريخ الإشهار، ومنح الأفضلية لمن كان الأسبق في ترسيم رهنه في الدفتر المخصص لذلك.

              ب -الإشهار معيار غير كاف لتحقيق التفضيل

تبرز عدم كفاية الإشهار لتحقيق التفضيل، إذا تزاحم الدائن المرتهن مع الدائن الممتاز (فرضية أولى) أو تزاحم الدائن المرتهن مع الدائن الحابس (فرضية ثانية).

              <بالنسبة للفرضية الأولى، يجب الانطلاق من الفصل 195 م ح ع في فقرته الأولى الذي اقتضى أن: "الدين الممتاز مفضل على غيره من الديون وحتى على الديون الموثقة برهن عقاري". أي أنه في صورة التزاحم حول نفس العقار بين دائن ممتاز ودائن مرتهن، يكون الأول مقدما على الثاني في استخلاص دينه بغض النظر عن إشهار الرهن من عدمه وعن أسبقية الإشهار على نشأة الدين الممتاز أو تأخره عنه.
ويبرر هذا الحكم بخصائص الامتياز وطبيعته المستمدة من تعريفه، إذ يعتبره الفصل 194 م ح ع تأمينا عينيا أقرّه المشرع لتمتيع بعض الدائنين بحق الأفضلية على غيرهم نظرا لصفة ديونهم. فالامتياز عاما كان أو خاصا هو أولوية ممنوحة لبعض الديون مراعاة لاعتبارات مختلفة إنسانية أو اجتماعية أو دينية أو متعلقة بالمصلحة العامة ... وهو أيضا تأمين ذو مصدر قانوني وغير خاضع للإشهار في مبدئه. فلا يمكن تطبيق منطق الاشهار عليه، اي تحديد الترتيب بالأسبقية في تاريخ الترسيم او التنصيص. وإنما يحل التزاحم الذي يشمل الامتياز اعتمادا على طبيعة التأمين العيني، فيغلّب الامتياز على الرهن مثلما أكده صريح الفصل 195 م ح ع في فقرته الأولى.

              <أما بالنسبة إلى الفرضية الثانية، فيجب الرجوع إلى الفصل 309 م ا ع الذي عرف حق الحبس بأنه وضعية فعلية تقوم على المسك المادي لشيء يملكه المدين بين يدي الدائن حتى يتمّ أداء الدين. فهو تأمين عيني مصدره القانون عملا بالفصل 193 م ح ع وكذلك بالفصل 309 م ا ع الذي نصّ على أنه: "لا يجري العمل به إلا في الأحوال التي خصصها القانون". ويخول لصاحبه حق الأفضلية على غيره من الدائنين طبقا للفصل 323 م ا ع والاحتجاج به على الكافة حسب ما ورد بالفصل 324 م ا ع.
وينتج عن هذه الأحكام مبدئيا أنه إذا تزاحم دائن حابس ودائن مرتهن، فإن الأفضلية تكون لحق الحبس اعتمادا على مصدره القانوني الذي يشترك فيه مع الامتياز. وكذلك على مطلق عبارة "غيره من الغرماء" المستعملة في الفصل 323 م ا ع والتي تشمل الدائن المرتهن، فضلا عن تعذر إخضاع حق الحبس لمنطق الإشهار بما أنه بتعريفه وضعية فعلية.
ويظهر هكذا أن المعيار المعتمد في فض التزاحم بين الدائن الحابس والدائن المرتهن هو معيار طبيعة التأمين لا تاريخ الإشهار. وما دام أن حق الحبس هو تأمين عيني مصدره القانون فهو مفضل على الرهن مهما كان تاريخ إشهاره أكان قبل ممارسة الحبس أم بعده.
لكنّ الحقيقة هي أن هذا الموقف قابل للنقاش، إذ خلافا للامتياز الذي أقر المشرع تفضيله على الرهن وفق الفصل 195 م ح ع (فقرة ثانية)، لا يتوفّر حق الحبس على مثل هذا الحكم الصريح في النصوص المنظمة له في مجلة الالتزامات والعقود. كما أن الفصل 278 م ح ع يقرر أن الرهن يكون موجودا إزاء الغير من يوم ترسيمه والحال أن الدائن الحابس هو من الغير المشمولين بعبارة هذا النص. فبأي منطق يقع استثناؤه منه خاصة أن ذلك يفرغ إشهار الرهن من كل قيمة ويحرم الدائن المرتهن من الحماية المرتبطة به.
على أنه يمكن الرد على هذا الموقف اعتمادا على ما اتجه إليه المشرع في إطار القانون الجديد المنظم للإجراءات الجماعية في باب ترتيب الدائنين. فقد تضمن الفصل 569 م ت أن الديون المتمتعة بحق حبس مفضلة على الديون الموثقة برهن. مما يمكن اعتباره دليلا واضحا على أن الدائن الحابس مقدم على الدائن المرتهن.
ومع ذلك فإن هذه الحجة يمكن الاستناد إليها لتدعيم الموقف المعاكس، باعتبار أن التفضيل المقرر بالفصل 569 م ت ينحصر في ميدان الإجراءات الجماعية دون غيره. أما في نطاق التتبعات الفردية، فما دام لا وجود لنص صريح يقضي بتفضيل حق الحبس على الرهن، فإن التزاحم يفضّ بالرجوع إلى معيار الإشهار. وعليه، تكون الأولوية للدائن الحابس إذا كان حبسه سابقا عن إشهار الرهن، بينما إذا ثبت أن إشهار الرهن سابق لقيام الحبس، فالأولوية للدائن المرتهن الذي يحق له ذلك ولو اضطر إلى تتبع العقار بين يدي حابسه.

الفقرة الثانية: حق التتبع

يستفاد من الفصول 270 و 280 و281 (فقرة ثانية) م ح ع أن حق التتبع هو الحق الممنوح للدائن المرتهن للتنفيذ على العقار المرهون بين يدي من انتقلت اليه ملكيته دون أن يكون ملزما شخصيا بالدين، لغاية ممارسة حق الأفضلية على مقابله النقدي.
ويعد حق التتبع بهذا المعنى أثرا هاما للرهن العقاري لأنه لا يحرم الراهن من التفويت في العقار إلى الغير ولا يمنع من تداوله من يد إلى يد، مع حفظ حق الدائن في التنفيذ عليه بين يدي من انتقلت إليه الملكية. وهكذا، يضمن التتبع فاعلية حق الأفضلية ويحول دون إفراغه من فاعليته وجدواه.
ويتضح بالرجوع إلى النصوص المنظمة لحق التتبع في مجلة الحقوق العينية أن الدائن المرتهن لا يجوز له ممارسته إلا بتوفر جملة من الشروط (أ). وفي المقابل، يتمتع واضع اليد بجملة من الخيارات التي يمنحها له المشرع في مواجهة الدائن القائم بالتتبع (ب).

أ-الشروط

لا يمكن للدائن المرتهن التمتع بحق التتبع إلا بتحقق الشروط الآتية:

3 أن يقع إشهار الرهن عن طريق ترسيمه بالرسم العقاري أو التنصيص عليه في سند الملكية حسب الحالات. ومعنى ذلك أن الإشهار هو شرط أولي وضروري لممارسة حق التتبع. بل إن إشهار الرهن يشكل أساسا كافيا للتنفيذ في العقارات المسجلة، إذ يعتبر سندا مرسما عملا بالفصلين 302 و 451 م م م ت، يغني صاحبه عن التحصيل على سند تنفيذي تقليدي متمثلا في حكم محرز على قوة اتصال القضاء.

3أن يتولى المالك الجديد الذي يطلق عليه المشرع تارة "واضع اليد" وتارة أخرى "حائز العقار"، إشهار سند ملكيته هو بدوره، وإلا فلا يمكنه الاحتجاج بملكيته تجاه الدائن المرتهن ومن حق الدائن المرتهن عندئذ توجيه التنفيذ ضدّ المدين مباشرة كما لو أن العقار لم يخرج من ذمته. ويرجع ذلك إلى أن من حق الدائن المرتهن أن يجهل وجود واضع اليد غي غياب إشهار سنده.

3ألاّ يكون المالك الجديد مطلوبا شخصيا بالدين. أما إذا كان حائز العقار مطالبا بأداء الدين المحمول على المدين، فلا حاجة لممارسة حق التتبع. ومثال ذلك وارث المدين الذي تنتقل إليه ملكية العقار عن طريق الميراث مشفوعة بالالتزامات التي يتحملها المورث نحو دائنيه، إذ تقتضي الأحكام العامة للالتزامات أن الوارث يعتبر خلفا عاما لمورثه يحل محله في ديونه في حدود منابه من التركة ( الفصل 241 م ا ع).

3أن يحل أجل الدين المضمون بالرهن ويصبح واجب الوفاء لأنه لا مجال للشروع في التنفيذ على العقار قبل أن يصبح المدين مطالبا بالأداء.
واعتبارا لأن حق التتبع هو في جوهره عقلة للعقار المرهون بين يدي الغير، فإن المشرع خص هذه العقلة بإحكام خاصة في كل من مجلة المرافعات المدنية والتجارية ومجلة الحقوق العينية. ويتبين من هذه الأحكام أن العقلة تمر بمراحل ثلاث أساسية:

              a مرحلة التحضير للعقلة بتوجيه إعلام للمدين الأصلي وإنذار واضع اليد بدفع الدين الحال أو بالتخلي عن العقار المرهون عملا بالفصل 283 م ح ع.

              a مرحلة ضرب العقلة العقارية فعليا ضد المدين من قبل الدائن بواسطة إنذار قائم مقام عقلة تنفيذية في العقارات المسجلة وبترسيمه في السجل العقاري طبقا للفصلين 452 و453 م م م ت وعن طريق محضر عقلة تنفيذية في العقارات غير المسجلة عملا بالفصل 460 م م م ت.

              a وفي المرحلة الأخيرة يباع العقار بيعا جبريا أمام دائرة البيوعات العقارية قصد توزيع ثمنه على الدائنين.
على أنه يمكن لواضع اليد الذي يرغب في تفادي افتكاك العقار من يده، أن يمارس أحدى الصلاحيات  القانونية التي تتيح له بذلك.

              ب-الخيارات

تخول مجلة الحقوق العينية لواضع اليد فرصة تجنب آثار مباشرة حق التتبع ضده من قبل الدائن المرتهن عن طريق جملة من الخيارات والإمكانيات، وهي:

              K دفع كامل الدين المحمول على المدين تطبيقا لمنطوق الفصل 282 م ح ع الذي اقتضى أنه: "يكون واضع اليد ملزما في تلك الحالة (أي عند إنذاره) بدفع الدين أصلا وفوائد مهما بلغ مقداره..".

              J مواجهة الدائن ببعض الدفوعات المتعلقة به أو بالمدين الأصلي. والمقصود بذلك أن يستعمل واضع اليد وسائل الدفاع الممكنة قانونا في وجه الدائن المرتهن لمنعه من عقلة العقار أو بيعه. ومثال ذلك أن يثير إشكالا تنفيذيا أو يرفع قضية في بطلان التنبيه الموجه له أو بطلان إجراءات العقلة برمتها... كما يمكن لحائز العقار أن يدفع في مواجهة الدائن بانقضاء الدين أساس التنفيذ بالأداء أو بأي سبب آخر أو ببطلانه أو بطلان الرهن أصلا...

Lالتخلي عن العقار المرهون. وهي الامكانية المتاحة لوضع اليد لمنع الدائن المرتهن من ممارسة العقلة تجاهه وتحويل وجهتها ضد مؤتمن عدلي تعينه المحكمة. مما يؤدي الى اقصاء حائز العقار من إجراءات العقلة واخفاء اسمه من معلقاتها الاشهارية خوفا على سمعته، مع إعفائه من عبء إدارة العقار وما قد يستتبعه من مسؤوليات.
وأقر المشرع هذه الإمكانية لواضع اليد بمقتضى الفصلين 284 و285 م ح ع، حيث تضمن الأول أنه: " يمكن لواضع اليد إن لم يكن مطلوبا شخصيا أن يتخلى عن العقار. ويجوز له إلى حين التبتيت العدول عن التخلي بخلاص كامل الدين والمصاريف. ونص الثاني على أنه: "يقع التخلي بكتابة المحكمة التي بدائرتها الأعيان وعلى كاتب المحكمة أن يسلم وصلا في ذلك. وإذا كان العقار مسجلا فإن على كاتب المحكمة أن يعلم بالتخلي فورا مدير الملكية العقارية الذي يتولى التنصيص على ذلك برسم الملكية. ويقع بطلب من أحرص الطرفين تعيين مؤتمن يباع عليه العقار طبق الاجراءات المتبعة في البيوعـات الجبرية".

       J تطهير العقار من الرهن بواسطة عرض ثمنه أو قيمته على الدائن المرتهن لخلاصه عملا بالفصول 292 م ح ع وما بعدها. ومن هذه النصوص يتضح أن التطهير هو بمثابة تصريح بالإرادة يعرضه واضع اليد على الدائنين المرتهنين قصد تحرير العقار من الرهن المسلط عليه.  ويصرح المالك الجديد بمقتضى هذا العرض بأنه مستعد لخلاص الديون الموثقة بالرهن والتكاليف التابعة لها بقـدر الثمن أو القيمة المصرح بها بدون خصم أي مبلغ من ذلك لصالح البائع أو أي شخص آخر (الفصل 294).
ولا يخلو الأمر بعد هذا العرض من أحد الفرضين: إما أن يقبله الدائنون المرسمون أو يرفضوه.

              aففي صورة القبول، يقوم نوع من الاتفاق بين واضع اليد والدائنين على أن يدفع لهم ثمن العقار أو قيمته لقاء تفريطهم في كافة رهونهم. ويؤدي ذلك إلى تحرير العقار من الرهون بعد أداء الديون في حدود قيمة العقار وذلك حسب رتبة كل دائن أو تأمين ما يفي بها في صندوق الودائع والأمانات.

              aأما في صورة رفض العرض من قبل بعض الدائنين أو أحدهم، فتكون النتيجة إذا لم يكن هناك من يرغب في القيام بدعوى الفسخ على معنى الفصل 295 م ح ع، هي بيع العقار بالمزاد العلني مع ضرورة عرض الزيادة في الثمن بما لا يقل عن السدس من قبل الدائن الرافض ( الفصول 296 إلى 298 م ح ع).

              L ولا بد في النهاية من الإشارة إلى وجود إمكانية أخيرة يتعرض لها واضع اليد في صورة تقاعسه عن ممارسة أي خيار من الخيارات المذكورة. وهي تحمل العقلة العقارية الموجهة ضده من قبل الدائن القائم بالتتبع بما يعرضه إلى انتزاع العقار من يده.