lundi 30 mars 2020

اشهار الرهن العقاري


درس التأمينات الشخصية والعينية

لطلبة السنة الثالثة إجازة أساسية في القانون الخاص

أعزائي الطلبة،
أرجو أن تكونوا جميعا بخير.
أبدأ أولا بتذكيركم بما سبق أن درسناه منذ بداية السداسي الثاني.
فقد انطلق الدرس بتقديم عام للمادة تعرضنا فيه إلى المفاهيم التالية:
-        مفهوم الالتزام
-        مفهوم التنفيذ
-        حق الضمان العام
-        مفهوم التأمينات
ثم قسمنا الدرس كما يلي:

المحور أول-التأمينات الشخصية:

وفيه تعرضنا إلى أنواع التأمينات الشخصية وركزنا عل الكفالة التي تناولناها في ثلاث أجزاء:

الجزء الأول: أركان الكفالة

الجزء الثاني: آثار الكفالة

الجزء الثالث: انقضاء الكفالة

المحور الثاني-التأمينات العينية

وفي هذا الإطار تحدثنا عن أنواع التأمينات العينية التي عددها المشرع في الفصل 193 م ح ع وهي: الامتياز والرهن العقاري ورهن المنقول وحق الحبس.
وشرعنا في دراسة القسم الأول المتعلق الرهن العقاري من خلال مقدمة عامة عالجنا فيها النقاط التالية:
-        مفهوم الرهن العقاري
-        تطور الرهن العقاري
-        أهمية الرهن العقاري
-        خصائص الرهن العقاري
وبعد ذلك أعلنا أن دراسة الرهن ستتم على مرحلتين: نتناول في المرحلة الأولى مصادره ثم في المرحلة الثانية نظامه القانوني.

الجزء الأول: مصادر الرهن العقاري

وفيه رأينا أن الرهن العقاري يمكن أن ينشأ إما بموجب الاتفاق بين طرفين (الدائن والمدين) أو بمقتضى نص قانوني أو كذلك بموجب حكم قضائي.  ولاحظنا أن أهم مصدر للرهن العقاري هو العقد. ثم بعد ذلك يأتي القانون الذي أقر ّ رهونا لفائدة بعض الأشخاص الطبيعيين أو المعنويين في بعض الحالات المتفرقة. أما الرهن القضائي فهو يكاد يكون مفقودا في القانون التونسي. وعلى هذا الأساس انصب اهتمامنا في هذا الجزء على المصدرين الأساسيين للرهن العقاري.
-        العنوان الأول: الرهن القانوني
-        العنوان الثاني: الرهن الاتفاقي
وفي هذا الباب تعرضنا إلى الشروط الأساسية لتكوين عقد الرهن على النحو التالي:

-        الفرع الأول: أطراف الرهن
-        الفرع الثاني: شكليات الرهن
-        الفرع الثالث: محل الرهن
وفيما يلي بقية الجزء الثاني من المحور المتصل بالرهن العقاري.

الجزء الثاني: نظام الرهن العقاري

في الجزء الأول من درس الرهن العقاري تناولنا مصادره ورأينا ان هذا التأمين العيني ينشأ تارة بموجب العقد وتارة أخرى بقوة القانون.
على أن الرهن سواء أكان مصدره الاتفاق أو نص القانون، يخضع لنظام قانوني موحد.
وتقتضي دراسة النظام القانوني للرهن العقاري التطرق إلى ثلاث نقاط: الآثار التي يرتبها (العنوان الثاني) والقواعد المنظمة لانتقاله بين الدائنين (العنوان الثالث) ثم أخيرا أسباب انقضائه (العنوان الرابع).
لكن ينبغي قبل دراسة هذه المسائل، التعرض إلى الشكليات إشهار الرهن باعتبارها شرطا ضروريا لنفاذه وتحقّق نظامه القانوني. (العنوان التمهيدي).

 - العنوان التمهيدي: اشهار الرهن العقاري.

- العنوان الثاني: آثار الرهن العقاري.

        - العنوان الثالث: انتقال الرهن العقاري.

    - العنوان الرابع: انقضاء الرهن العقاري.

العنوان التمهيدي: اشهار الرهن العقاري

من المسلم به قانونا وفقها أن الرهن العقاري لا يمكن أن يكون تأمينا عينيا ناجعا إلا إذا تم إشهاره.
والمقصود بالإشهار القانوني (la publicité légale) عموما هو جملة الشكليات المستوجبة بهدف إعلام الغير بالتصرفات أو الوقائع القانونية والاحتجاج بها إزاءهم.
ويحصل الإشهار القانوني بعدة وسائل من بينها النشر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية أو بإحدى الصحف اليومية، أو الترسيم بالسجل الوطني للمؤسسات أو بدفتر   السفينة أو الطائرة....
 ولقد حدد المشرع كيفية اشهار الرهن العقاري في الفصلين 278 و279 م ح ع وعدة نصوص أخرى في باب الرهن وخارجه. ويستدعي فهم هذه النصوص ابداء بعض التوضيحات العامة حول وسائل الإشهار العقاري (الفرع الأول) قبل التطرق إلى الأحكام الخاصة بإشهار الرهن العقاري (الفرع الثاني).

الفرع الأول: الأحكام العامة للإشهار العقاري

لمعرفة القواعد المتصلة بالإشهار العقاري لابدّ من التمييز بين العقارات غير المسجلة والعقارات المسجلة.
- أما في العقارات غير المسجلة، فيتم الإشهار أساسا عن طريق التسجيل في القباضة المالية « l’enregistrement à la recette des finances ». والتسجيل في القباضة هو في أصله معلوم جبائي يدفع لخزينة الدولة وتخضع له الأحكام القضائية وعقود البيع والشراء وغيرها من العمليات القانونية الوارد تحديدها في مجلة معاليم التسجيل والطابع الجبائي.  ولكن المشرع أفرده بدورين إضافيين يتمثلان فيما يلي:

ü   إعطاء تاريخ ثابت للكتب غير الرسمي على معنى الفصل 450 م ا ع.
ü   الاحتجاج بالتصرف إزاء الغير في العمليات المتعلقة بالعقارات غير المسجلة من بيع (الفصل 581 م ا ع) وكراء (الفصل 729 م ا ع) ومعاوضة (الفصل 719 م ا ع) وشركة (الفصل 1254م ا ع) وصلح (الفصل 1466 م ا ع)....
 -وأما في العقارات المسجلة فيتم الإشهار أساسا بواسطة الترسيم في الرسم العقاري. ويقتضي فهم هذه الشكلية ابداء بعض التوضيحات الضرورية لفهم نظام الاشهار العيني الذي يسري على هذا العقارات المسجلة.
وفعلا، يهدف نظام الإشهار العيني إلى حماية الغير الذي يريد التعامل في العقار المسجل بتمكينه من معرفة جميع ما يطرأ عليه من تصرفات وحقوق عينية أو شخصية حتى يكون تعامله في مأمن من المفاجآت وقائما على الثقة والطمأنينة. ومن مزايا هذا النظام أنه يمكّن الغير من معرفة مالك العقار بسهولة والاطلاع على مختلف المعلومات التي تسمح بتحديد العقار مساحة وحدودا بكل دقة خلافا لما هو الحال في العقارات غير المسجلة التي تفتقد إلى مثل هذه الضمانات.
وبذلك يساهم الاشهار العقاري في تحقيق الأمن القانوني « la sécurité juridique »  سواء بالنسبة إلى صاحب العقار المسجل أو من يروم التعامل معه.
فأما أمن المالك فيحصل عن طريق تخليص الحق العقاري من المنازعات والدعاوى التي يمكن أن يكون عرضة لها وتصفية الوضعيات العقارية الشائكة وتطهيرها.
وأما أمن الغير المتعاملين في العقار فيتحقق من خلال إشاعة الثقة في نفوسهم حول وضعيته القانونية والمادية مما يشجعهم على التعاقد مع صاحبه وهم على يقين من أنهم يتعاملون فعلا مع من يجب قانونا.
ويتميز نظام الإشهار العيني باعتماده على العقار كوحدة للتسجيل والإشهار. فيفرد كل عقار برسم خاص به في السجل العقاري تدرج فيه كل الحقوق والتحملات والتصرفات الواقعة عليه. ويتم إحداث هذا الرسم بموجب سلسلة من الإجراءات القضائية والإدارية التي تفضي إلى إقرار الملكية لفائدة صاحبها وتطهيرها من كل الحقوق والدعاوى السابقة. فيبعث العقار إلى الحياة القانونية بوضعية واضحة من خلال حكم التسجيل jugement d’immatriculation » «الصادر عن المحكمة العقارية. ويدخل بذلك في صنف العقارات المسجلة ويخصص له دفتر تمسكه إدارة الملكية العقارية ترسم فيه كل العمليات والحقوق الواردة عليه التي يشترط القانون إشهارها.
وهذا ما أوضحه الفصل 358 م ح ع الذي اقتضى أنه: "تتولى إدارة الملكيّة العقاريّة إقامة رسم عقاري لكل عقار مسجّل.  ويحتوي هذا الرسم على بيان اسم العقار وموقعه ومساحته ومحتواه وينصّ به علـى جميـع الحقـوق المتعلّقة بالعقار والخاضعة للإشهار بمقتضى هذه المجلة. ويبقى المثال مضافا الى الرسم العقاري. ولكل رسم عقاري معرف يتكون من عدد رتبي واسم الولاية مرجع النظر الترابي".
ويجب التنبيه إلى أن الترسيم في إدارة الملكية العقارية لا يشمل كل التصرفات أو الوقائع القانونية وإنما ينحصر في الأمور التي أوجب المشرع إشهارها عن طريق هذه الشكلية. وهذا ما أقره صراحة الفصل 390 م ح ع الذي جاء به أنه:" لا تقع مباشرة العملية المطلوبة إلا إذا كان الحق المراد ترسيمه او قيده احتياطيا مـن الحقـوق التـي اقرتها هذه المجلة والتي يجب اشهارها". وقد بيّن المشرع في الفصل 373 من نفس المجلة ما يجب إشهاره بطريق الترسيم برسم الملكية، وهي خاصة " الصكوك والاتفاقات فيما بين الأحياء مجانية كانت أو بعوض وجميع الأحكام التي أحرزت قوة ما اتصل به القضاء سواء تعلقت تلك الصكوك والاتفاقات والأحكام بإنشاء حـق عينـي أو بنقلـه أو بالتصريح به أو بتعديله أو بانقضائه أو بجعله غير قابل للتفويت أو بالتقييد من حرية جولانـه أو بتغييـر أي شرط آخر من شروط ترسيمه....".
 كما تخضع لشكلية الترسيم "عقود تسويغ العقارات التي تتجاوز مدتها ثلاثة أعوام وكذلك عقود التسويغ التي تقل مدتها عـن ذلك أو عقود تجديده إذا كانت تخول الانتفاع بالعقار مدة تتجاوز نهايتها انقضاء السنة الثالثة من التاريخ الذي أبرمت فيه على أن عقود التسويغ التي تتجاوز مدتها ثلاثة أعوام والتي لم يقع ترسيمها يمكن الاحتجاج بهـا على الغير إلى انتهاء مدة الثلاثة أعوام الجارية في يوم ترسيم الصك أو الحكم الذي تـم بمقتـضاه الانتفاع بالعقار.  وكذلك "الصكوك والأحكام المثبتة لخلاص أو إحالة مبلغ يتجاوز معين كراء عام لم يحل أجل أدائه".

ويقصد بالصكوك على معنى الفصل 373 م ح ع، الحجج المكتوبة التي تتضمن الأعمال القانونية الواجب إشهارها في الرسم العقاري.

وتنقسم هذه الصكوك إلى ثلاثة أنواع:

·      صكوك إرادية أو اختيارية سواء أكانت من جانب واحد كالوصية مثلا أم من جانبين كالبيع والمعاوضة والرهن العقاري وغير ذلك من العقود والاتفاقات المتضمنة لتصرف قانوني خاضع للإشهار.
·      صكوك قضائية. وهي الأحكام والقرارات القضائية التي تأذن بالترسيم.
·      صكوك إدارية صادرة عن هيئة إدارية عمومية. ومثال ذلك أمر الانتزاع للمصلحة العمومية أو قرار إسقاط حق.
والأصل أن تكون هذه الصكوك متعلقة بحقوق عينية، لكن المشرع يوجب بصورة استثنائية ترسيم صكوك متصلة بحقوق شخصية كعقد الكراء الذي تتجاوز مدته ثلاثة أعوام.
ويقع إشهار هذه الحقوق بموجب الترسيم في ظل المبادئ التي تحكم السجل العيني وأهمها ثلاثة:

v   مبدأ الشرعية
يجد هذا المبدأ أساسه في الفصل 306 م ح ع الذي اقتضى أنه: "يتولى مدير الملكية العقارية قبل قيامه بأية عملية مباشرة التحقيقات التي تقتضيها هذه المجلة". وكذلك الفصل 388 م ح ع الذي تضمن طالعه أنه: "لا يمكن لإدارة الملكيّة العقاريّة إلا إذا كان هناك مانع قانوني أن ترفض بصفة نهائية أو تؤجّل ترسيما أو تشطيبا على ترسيم أو حطّا من ترسيم أو تعديل ترسيم وقع طلبه بصفة قانونية".
ويقصد بهذا المبدإ أنه على إدارة الملكية العقارية عندما يقدم لها مطلب ترسيم أن تجري التحريات الضرورية للتثبت من أن هذا المطلب مطابق لمقتضيات القانون ولا مانع من الاستجابة له. وتشمل الرقابة على شرعية المطلب العملية المراد ترسيمها عدة جوانب منها خاصة مدى تحقق شروط صحتها وتوفر أهلية أطرافها وسلطتهم في إجرائها ...

v   مبدأ التسلسل
وهو مستمد من الفصل 392 م ح ع الذي أقرّ أنّ: "لكل شخص أن يطلب من مدير الملكية العقارية مع تقديمه للوثائق التي توجب هـذه المجلـة تقـديمها ترسيم حق عيني أو تشطيب ترسيم أو الحط منه أو تعديله". مؤكدا أنه: " لا يقع ترسيم هذا الحق إلا إذا كان منجرا مباشرة ممن سبق ترسيمه باسمه". فمثلا إذا كان مطلب الترسيم يتعلق بعقد بيع، فإنه عملا بمبدإ التسلسل، لا يمكن قبول هذا المطلب إلا إذا كان البائع الذي تولى التفويت هو آخر شخص وردت الإشارة إليه في الرسم باعتباره مالكا للعقار المبيع. أما إذا كان هذا البائع لا وجود له في الرسم العقاري، فلا سبيل إلى ترسيم البيع الذي صدر منه قبل ترسيم العملية السابقة التي أصبح بموجبها مالكا للعقار موضوع البيع.

مبدأ المفعول المنشئ للترسيم

وهو مبدأ مقرّر  في الفصل 305 م ح ع الآتي نصه: " كل حق عيني لا يتكون إلا بترسيمه بالسجل العقاري وابتداء من تاريخ ذلك الترسيم ".
ويعني هذا المبدأ أن التصرفات القانونية لا يكون لها وجود قانوني إلا باحترام شكلية الترسيم. أي أن الترسيم هو الذي ينشأ الحق العيني، وليس للتصرف المتعلق به القوة الكافية لكي ينشأ سواء بين أطرافه أو إزاء الغير ما لم يقع إشهاره في الرسم العقاري.
وتعتبر وظيفة إنشاء الحق بموجب الترسيم وظيفة جديدة ومستحدثة في نطاق منظومة السجل العيني بما أنها لا تشمل كل الرسوم العقارية وإنما الرسوم التي حددها المشرع في القانون عدد 91 لسنة 2000 المؤرخ في 31 أكتوبر 2000 المتعلق بتطبيق المفعول المنشئ للترسيم على بعض الرسوم العقارية. وهي أولا، الرسوم الجديدة المحدثة بموجب أحكام صادرة بالتسجيل العقاري بعد دخول القانون المؤرخ في 20 أفريل 1998 حيز التنفيذ. وثانيا، الرسوم الواقع تحيينها على معنى القانون عدد 34 المؤرخ في 10 أفريل 2001 المتعلق بتحيين الرسوم العقارية وتخليصها من الجمود.
أما الوظيفة الأصلية للترسيم كما تم إقرارها منذ صدور مجلة الحقوق العينية فهي الاحتجاج بالتصرف إزاء الغير. ويترتب على ذلك أن التصرف يكون صحيحا ومنتجا لآثاره الشخصية والعينية بين أطرافه بنفسه. أي بمجرد تحقق شروط صحته ودون حاجة لإدراجه في الرسم العقاري. بيد أنه لا يمكن معارضة الغير به إلا بإشهاره. وهذا ما تضمنه الفصل 305 م ح ع في نصه الأصلي حيث ورد أن كل حق عيني "لا يعارض به الغير إلا بترسيمه ومن تاريخ ذلك الترسيم". وتسري الوظيفة الاحتجاجية للترسيم على كل الرسوم ما عدى التي وقع استثناؤها بموجب القانون المؤرخ في 31 أكتوبر 2000 والتي صارت خاضعة لمبدإ المفعول المنشئ.
ويعتبر هذا التقديم العام لنظام الإشهار العيني مدخلا ضروريا لفهم القواعد الخاصة لإشهار الرهن العقاري.

الفرع الثاني: الأحكام الخاصة لإشهار الرهن العقاري

تقتضي دراسة الأحكام الخاصة لإشهار الرهن العقاري الرجوع إلى التفرقة التقليدية بين العقارات غير المسجلة (الباب الأول) والعقارات المسجلة (الباب الثاني).

الباب الأول: إشهار الرهن الموظف على عقار غير مسجل

يتم اشهار الرهن في العقار غير المسجل بواسطة التنصيص عليه برسم الملكية تطبيقا للفصل 279 م ح ع الذي اقتضى أنه: " بالنسبة للعقار غير المسجل فإن الترسيم بسجل الملكية العقارية يعوض بالتنصيص على الرهن برسم الملكية بواسطة عدلين".
وتمكن هذه الشكلية الغير الذي يريد التعامل في العقار المرهون مع مالكه من التعرف على وضعيته القانونية بمجرد إلقاء نظرة على رسم ملكيته الذي يتضمن التنصيص على الرهن.
ويبدو أن الرهن العقاري ينفرد بهذه الشكلية عن سائر العقود والتصرفات الواقعة على عقار غير مسجل والتي رأينا سابقا أنه يقع إشهارها عن طريق التسجيل في القباضة المالية. ومرد ذلك إلى أن التسجيل في القباضة هو بالأساس إجزاء جبائي لتحقيق مداخيل مالية لفائدة الخزينة العامة ولا يقترن بإحداث دفاتر عمومية معدة للاطلاع عليها من الغير لمعرفة الحقوق الموظفة على العقار. أما التنصيص على الرهن فوق رسم الملكية فيحقق وظيفة الإشهار المطلوبة من خلال إتاحة العلم بوجود الرهن المنصوص عليه من قبل أي شخص يطلع على هذا الرسم.
ومما يساعد على ضمان تحقق الإشهار، أن عملية تدوين الرهن فوق رسم ملكية العقار تتم بواسطة عدلين كما أوجبه الفصل 279 م ح ع. ويعتبر عدل الإشهاد صاحب الاختصاص المطلق في هذا المجال لا يشاركه فيه غيره من المأمورين العموميين. ويباشر العدل مأموريته في ظل الواجبات المحمولة عليه بموجب القانون المنظم لمهنته (القانون عدد 60 لسنة 1994 المتعلق بتنظيم مهنة عدول الإشهاد) ومن أهمها تسجيل الرهن بدفتر خاص. وهو ما من شأنه أن يصون الرهن من النسيان أو الضياع بتسهيل عملية إثباته اعتمادا على البيانات المضمنة بالدفتر، بالإضافة إلى حفظه من التشكيك فيه أو دحضه بما أن الحجة العادلة تتمتع بحصانة الحجج الرسمية فيما تتضمنه من تصريحات أو أعمال قانونية ما لم يطعن فيها بالزور.
غير أن شكلية التنصيص على أهميتها ونجاعتها، فهي تشكو بعض العيوب، إذ يتضح بالرجوع إلى الواقع العملي أنه يمكن أن تعترض الأطراف الراغبين في التعامل صعوبتان تؤثران سلبيا على وظيفة الإشهار، تتعلق الأولى بفرضية تعدد رسوم الملكية وتتصل الثانية بفرضية انعدام الرسم.

v   فرضية تعدد الرسوم:
يمكن في بعض الأحيان أن يكون للعقار المراد رهنه أكثر من حجة ملكية واحدة تثبت حقوق الراهن عليه. ويحصل ذلك في صور عديدة من بينها مثلا، لو كان الراهن قد اكتسب ملكية العقار عن طريق الشراء وكانت بيده عدّة نسخ مطابقة للأصل من عقد البيع. أو كذلك إذا أصبح الراهن مالكا للعقار عن طريق الميراث، فتولى إقامة حجة وفاة تكون سندا لملكيته، ثم استخرج منها عدة نظائر.
ولا شك أن هذه الوضعية قد تنال من نجاعة الإشهار لأنها تفتح الباب واسعا أمام التلاعب. وفعلا، يمكن لمالك العقار الذي يمسك بيده عدة حجج ملكية أن يتعامل مع دائنين مختلفين وفي كل مرة يستظهر بسند جديد لا يتضمن التنصيص على الرهن السابق. ويؤدي ذلك حتما الى الاضرار بالدائنين المرتهنين الذين سيعتقد كل واحد منهم أنه هو الوحيد المستفيد من الرهن والحال أن العقار مرهون لأكثر من دائن دون علم البقية.

v   فرضية انعدام الرسم:
يقصد بانعدام الرسم، غياب كل أثر خطي أو وثيقة مكتوبة تدل على ملكية المالك للعقار المزمع رهنه. وتؤدي هذه الوضعية الى حرمان المدين من إمكانية رهن عقاره باعتبار أنه يصعب على الدائنين التعامل معه أو اقراضه خشية ان لا يتمكنوا من اشهار رهونهم، مما يمنعهم من ممارسة حقوقهم المنجرة لهم من الرهن على العقار عند الاقتضاء.
وتتحقق هذه الفرضية في حالتين: حالة المدين الذي كان له رسم ثم فقده بسبب الضياع مثلا أو الاختلاس أو التلاشي أو غير ذلك من الأحوال. وحالة المدين الذي ليس بيده رسم مطلقا. ويشمل ذلك غالبا الشخص الذي تكون ملكيته مستندة على الحيازة دون ان يكون له رسم للعقار الذي يملكه. وتهم هذه الوضعية جزءا واسعا من العقارات غير المسجلة في بلادنا التي يتصرف فيها أصحابها تصرف المالك في ملكه بموجب وضع اليد في غياب أي وثيقة تثبت ما لهم من الحقوق عليها.
ولعله يمكن في غياب الرسم تدارك الأمر عن طريق استصدار حكم قضائي يقضى باستحقاق العقار لحائزه أو ما شابه ذلك من الحلول المؤدية إلى حصول المدين على وثيقة مثبتة لملكيته، وبذلك يستطيع أن يرهن مع التنصيص على الرهن فوق الحجة الكتابية أو الرسم الذي بين يديه. لكن لا شيء يمنع في هذه الحال المالك من استخراج نظائر جديدة لسند ملكيته وإعادة رهنه للعقار مرات متعددة، بما يعيدنا إلى المعضلة الأولى المتعلقة بتعدد الرسوم.
وهكذا يتأكد لنا ما ينطوي عليه إشهار رهن العقار غير المسجل من نقائص تحد من نجاعته.
  لكن الأمر يبدو مختلفا في ميدان العقارات المسجلة.
                                                                                    
الباب الثاني: إشهار الرهن الموظف على عقار مسجل

حدد المشرع وسيلة اشهار الرهن المتعلق بالعقار المسجل في الفصل 278 م ح ع الذي اشترط لتحقيق هذه الغاية شكلية الترسيم بإدارة الملكية العقارية حسب القواعد المنصوص عليها بالمجلة المذكورة. ويعتبر هذا النص تطبيقا خاصا للفصلين 305 و 373 م ح ع اللذين يوجبان إشهار الحقوق العينية الموظفة على عقارات مسجلة بواسطة ترسيمها في الرسم العقاري.
ويطرح إنجاز الترسيم سؤالين أساسيين: من يطلبه؟ وما هي إجراءاته؟

v   طلب الترسيم:
"لكل شخص أن يطلب من مدير الملكية العقارية مع تقديمه للوثائق التي توجب هذه المجلة تقديمها ترسيم حق عيني...". هذا ما نصت عليه الفقرة الأولى من الفصل 392 م ح ع التي تفتح المجال أمام إمكانية الترسيم لكل من يطلبه. وتتوفر المصلحة في طلب الترسيم لدى العديد من الأشخاص. أولهم، الدائن المرتهن بما أنه هو المستفيد الرئيسي من الرهن الموظف على عقار المدين ومن الآثار المترتبة عنه في صورة إشهاره والمتمثلة في حقي الأفضلية والتتبع.
ورغم أن المدين لا يقع عليه واجب ترسيم الرهن إلا أنه لا شيء يمنعه من القيام به. بل يتضح بالرجوع إلى واقع المعاملات أن المؤسسات البنكية تشترط دائما على حرفائها المستفيدين من القروض أن يقدموا لها ما يفيد إشهار الرهن الموظف على عقارهم قبل ان يقع تمكينه من المبالغ موضوع القرض.
وتمتد المصلحة في الترسيم إلى ورثة الدائن المرتهن إثر وفاته، إذ تنتقل إليهم ملكية الديون طبقا للأحكام العامة ومن ثم يحسن بهم حفظها بترسيم الرهون الموثقة لها. ويكون ذلك على أساس الفصل 396 م ح ع.
كما تقوم المصلحة في الترسيم في جانب دائن الدائن المرتهن في صورة تقاعس هذا الأخير عن إتمامه وذلك طبقا لمقتضيات الفصول 306 و 307 و 308 م ا ع المتعلقة بالدعوى غير المباشرة. أما لو انتقل إليه الرهن عن طريق الإحالة أو الحلول، فإن دائن الدائن يكتسب صفة المحال له الذي يجوز له مباشرة الترسيم باسمه استنادا إلى الفصل 374 م ح ع الذي نص على أنه: " يجب التنصيص على نقل الرهن العقاري الواقع بطريقة الحلول أو بغيرها من الطرق بالرسم العقاري. ويخول هذا التنصيص للمحال له أو لمن حلّ محلّ غيره حق التصرّف في الترسيم ورفع اليد عنه...".
ويلاحظ في مختلف الصور المتقدمة أن طلب الترسيم حاصل بسعي ممن هو معني به مباشرة سواء بصفته دائنا أم مدينا. لكن ذلك لا يمنع من وجود حالات يخول فيها المشرع لبعض الأشخاص إمكانية ترسيم الرهن في حق غيرهم. وهم خاصة:
- محررو الصكوك على معنى الفصل 377 م ح ع (مكرر جديد) الذي تضمن أنه يختص بتحرير الاتفاقات الخاضعة للترسيم بما فيها الرهن العقاري كل من "حافظ الملكية العقارية والمديرون الجهويين وأعوان إدارة الملكية العقارية المكلفين بمهمـة التحرير إضافة إلى عدول الإشهاد والمحامين المباشرين، غير المتمرنين". وجميع هؤلاء حملهم الفصل 377 (ثالثا) بواجب القيام "بالإجراءات اللازمة للترسيم".
- أمين الفلسة الذي أوجب عليه الفصل 524 من المجلة التجارية اتخاذ جميع التدابير الضرورية لحفظ أموال المدين بما في ذلك طلب ترسيم التوثقات على أملاك مديني المدين إذا لم يسبق لهذا الأخير أن طلب ذلـك
وفي كل هذه الحالات لا بد لكل شخص يتقدم إلى إدارة الملكية العقارية بطلب في ترسيم الرهن، أن يحترم الإجراءات المطلوبة لذلك.

v   إجراءات الترسيم:
لا تختلف إجراءات ترسيم الرهن في مجملها عن الإجراءات العادية المتبعة في ترسيم أي حق عيني على عقار مسجل. وهي تتلخص عموما في جملة من المبادئ المتوالية وفق نظام منطقي يقوم على تقديم مطلب في الترسيم من قبل أحد الأشخاص المذكورين أعلاه مرفوق بالوثائق اللازمة (الفصل 392 م ح ع فقرة أولى) يقع إيداعه لدى إدارة الملكية العقارية في سجل خاص (الفصل 380 م ح ع) مقابل وصل يسلم لطالب الترسيم من قبل مدير الملكية العقارية (الفصل 382 م ح ع) الذي يتولى بعد ذلك فحص تلك الوثائق والتثبت من صحتها ومن عدم وجود أي مانع يحول دون ذلك في إطار مبدإ الشرعية (الفصلان 389 و 390 فقرة ثانية م ح ع ) ولا يباشر ترسيم الرهن إلا مع مراعاة مبدإ التسلسل كما أقره الفصل 392 م ح ع في فقرته الثانية).
فإذا استوفى المطلب جميع موجباته وتم قبول ترسيم الرهن في الرسم العقاري، أمكن لهذا التأمين العيني أن يرتب آثاره.