mercredi 8 avril 2020

آثار الرهن العقاري إزاء الغير


الباب الثاني: آثار الرهن إزاء الغير
تتمحور آثار الرهن العقاري إزاء الغير في حقين يمنحهما القانون للدائن المرتهن ضمانا لاستخلاص دينه: حق الأفضلية (الفقرة الأولى) وحق  التتبع (الفقرة الثانية).

       الفقرة الأولى: حق الأفضلية
يقرّ المشرع في الفصل 193 م ح ع أن الرهن هو سبب من أسباب التفضيل. ويدقّق الفصل 201 م ح ع ذلك بقوله إن الرهن يخول للدائن الحق في استيفاء دينه قبل غيره من الدائنين إذا لم يوف له المدين بما عليه. وهذا يعني أن حق الأفضلية هو من جوهر الرهن.
ويربط الفصل 278 م ح ع حق الأفضلية بالإشهار سواء في صيغته الأصلية التي تضمنت أن الرهن: "لا يأخذ مرتبته بين الديون الا من تاريخ ترسيمه"، أم في صيغته الجديدة بموجب القانون عدد 46 لسنة 1992 المؤرخ في 4 ماي 1992 حيث ورد أنه: "لا يتكون الرهن العقاري الا بعد ترسيمه ويرتب بين الرهون العقارية حسب القواعد المنصوص عليها بهذه المجلة".

وتفترض ممارسة حق الأفضلية قيام ثلاثة شروط متضافرة:
أولا: تعدد الدائنين، اذ لا يعقل إذا كان الدائن المرتهن منفردا، أن يفضل على نفسه.

              ثانيا: وحدة محل التنفيذ، أي أن يتعلق حق الدائنين المتزاحمين بالتنفيذ على نفس العقار.

              ثالثا: عدم كفاية ثمن العقار لخلاص كافة الديون، اذ في الحالة المعاكسة لا معنى لأي تفضيل ما دام أن كل دائن سيستوفي حقه كاملا.

وبتوفر كل هذه الشروط، يتسنى تحقيق التفضيل بتطبيقه على ثمن العقار المرهون بما يشمله من ملحقات وما زيد فيه من تحسينات تطبيقا للفصل 272 م ح ع (فقرة أولى). وكذلك غلاله المتوفرة ابتداء من يوم عقلته عملا بالفصل 415 م م م ت.
ويقع الحصول على ثمن العقار عن طريق تحويله الى قيمة نقدية بواسطة عقلته وبيعه جبريا بالمزاد العلني سواء بموجب التتبع الفردي ام في نطاق الإجراءات الجماعية.
على أنه يمكن في صور استثنائية تحويل العقار إلى قيمة نقدية بطريقة أخرى كالتطهير من واضع اليد بعرض ثمن العقار أو قيمته وقبوله من لدن الدائنين، أو بتطبيق نظرية الحلول العيني كما في حالة الانتزاع للمصلحة العامة، إذ يعوض العقار المرهون بغرامة الانتزاع التي تكون محلا لحق الأفضلية.
 ويقتضي تحقيق التفضيل تحديد مراتب الدائنين في ضوء تاريخ الترسيم إذا كان الرهن متعلقا بعقار مسجل (الفصل 278 م ح ع) أو تاريخ التنصيص على الرهن فوق رسم الملكية إذا تعلق الامر بعقار غير مسجل (الفصل 279 م ح ع).
 ويجب التنبيه في هذا الصدد، إلى ان الدائنين المتزاحمين ليسوا من نوع واحد. فهناك إلى جانب الدائن المرتهن، الدائن العادي والدائن الممتاز والدائن الحابس... وفي صورة تعدد هؤلاء الدائنين وعدم كفاية ثمن العقار لخلاصهم جميعا، يجد الدائن المرتهن نفسه في وضعية تزاحم معهم. ويطرح السؤال هنا عن كيفية فض التزاحم بين مختلف هؤلاء الدائنين؟ وكيف يمارس الدائن المرتهن أفضليته؟ وإلى أي مدى تكون له الأولوية في الخلاص على غيره من الدائنين؟ وكيف تحدد رتبة الرهن العقاري بين التأمينات العينية الأخرى من امتياز ورهن منقول وحق حبس؟؟؟
الجواب المبدئي على هذه الأسئلة، هو أن ترتيب الدائنين المتزاحمين يتحدد بالرجوع إلى تاريخ الإشهار (أ).  غير أن هذا المعيار تتداخل معه معايير أخرى في بعض الحالات، فيصبح غير كاف لفض التزاحم بين الدائن المرتهن وغيره من الدائنين (ب).

        أ -الإشهار معيار كاف لتحقيق التفضيل

يكون الإشهار معيارا كافيا لممارسة حق الأفضلية وتحديد رتبة الديون، إذا كان التزاحم بين الدائنين المرتهنين والدائنين العاديين (فرضية أولى) أو بين الدائنين المرتهنين لنفس العقار (فرضية ثانية) أو كذلك بين الدائن المرتهن لعقار والدائن المرتهن لمنقول (فرضية ثالثة).

            <إذا تم التنفيذ على العقار المرهون وتقدم إلى التوزيع دائن مرتهن ودائن عادي، فلا شك أن التقدم يكون للدائن المرتهن بما أن الرهن هو سبب من أسباب التفضيل التي تخرج صاحبها من قاعدة المساواة بين الدائنين. ويؤدي ذلك إلى تمكين الدائن المرتهن من استخلاص كامل دينه. وإن بقي شيء فيعطى للدائن العادي. أما إذا لم يبق شيء، فيحرم من استخلاص دينه اللهم إلا إذا كانت للمدين مكاسب أخرى قابلة للتنفيذ عليها.
لكن يمكن أن يجرد الدائن المرتهن من أفضليته إذا لم يحترم واجب الإشهار، إذ يتحول في هذه الصورة إلى دائن عادي خاضع للمساواة. بل قد يفوت على نفسه إمكانية التحاصص إذا كان الدائن العادي أحرص منه في استكمال إجراءات التنفيذ قبل أن يتفطن الدائن المرتهن إلى ذلك ويسعى إلى المشاركة في عملية التوزيع.

              <أما إذا تم التنفيذ على العقار وتقدم إلى التوزيع دائنان مرتهنان لنفس العقار فما أكثر، فإن الترتيب يتحدد بتاريخ إشهار الرهن، فتكون الأولوية لمن كان أسبق من غيره في ترسيم رهنه بالرسم العقاري إذا تعلق الأمر بعقار مسجل أو في التنصيص عليه بسند الملكية إذا كان محل الرهن عقارا غير مسجل.
على أنه إذا تم الإشهار في نفس اليوم، فلا أفضلية لدائن على آخر وإنما مساواة وتحاصص عملا بالفصل 278 م ح ع (فقرة ثانية) الذي نص على أن: "الرهون التي ترسم في يوم واحد تكون متساوية في الرتبة". وغني عن التأكيد على أن هذه القاعدة تمتد إلى رهن العقارات غير المسجلة بما أن المشرع لم يفرده بحكم مغاير. كما يلاحظ إذا تم الإشهار في ذات اليوم، يصبح هذا المعيار عديم الفائدة في تحقيق التفضيل.

              <ويمكن الاعتماد على معيار الإشهار أيضا لحسم التزاحم بين الدائن المرتهن لعقار والدائن المرتهن لمنقول. وربما تبدو هذه الفرضية غير جائزة نظرا لاختلاف المحل في كل رهن، وقد سبق القول إن من شروط التزاحم وحدة محل التنفيذ.
ومع ذلك، فلا مانع من قيام التزاحم بين الرهنين ولو بصفة استثنائية خاصة في إطار رهن المنقول غير الحيازي، أي الرهن الذي يبقى فيه المنقول المرهون في حوزة الراهن. وقد طرح ذلك فعلا في فقه القضاء بمناسبة قضية متعلقة بمعصرة زيتون.  وتتلخص وقائع هذه القضية في قيام المدين بشراء آلة لاستخراج زيت الزيتون. وضمانا لخلاص ثمنها تولى رهنها رهن منقول لفائدة البائع. ثم عمد إلى تركيز هذه الآلة وتثبيتها في عقاره مما صيرها عقارا بالتخصيص على معنى   الفصل 10 م ح ع.  كما أقدم بعد ذلك على رهن العقار ضمانا لدين آخر. إلا أنه عجز عن الوفاء بما تخلد في ذمته، مما اضطر كلا من الدائن المرتهن للمنقول (آلة عصر الزيتون) والدائن المرتهن للعقار إلى التنفيذ على العقار مع ما التحم به من منقول. وبذلك قام التزاحم بين رهن المنقول والرهن العقاري والحال أن كل واحد منهما له محل مختلف.
ولفض هذا التزاحم، كان لابدّ من الرجوع إلى تاريخ الإشهار، ومنح الأفضلية لمن كان الأسبق في ترسيم رهنه في الدفتر المخصص لذلك.

              ب -الإشهار معيار غير كاف لتحقيق التفضيل

تبرز عدم كفاية الإشهار لتحقيق التفضيل، إذا تزاحم الدائن المرتهن مع الدائن الممتاز (فرضية أولى) أو تزاحم الدائن المرتهن مع الدائن الحابس (فرضية ثانية).

              <بالنسبة للفرضية الأولى، يجب الانطلاق من الفصل 195 م ح ع في فقرته الأولى الذي اقتضى أن: "الدين الممتاز مفضل على غيره من الديون وحتى على الديون الموثقة برهن عقاري". أي أنه في صورة التزاحم حول نفس العقار بين دائن ممتاز ودائن مرتهن، يكون الأول مقدما على الثاني في استخلاص دينه بغض النظر عن إشهار الرهن من عدمه وعن أسبقية الإشهار على نشأة الدين الممتاز أو تأخره عنه.
ويبرر هذا الحكم بخصائص الامتياز وطبيعته المستمدة من تعريفه، إذ يعتبره الفصل 194 م ح ع تأمينا عينيا أقرّه المشرع لتمتيع بعض الدائنين بحق الأفضلية على غيرهم نظرا لصفة ديونهم. فالامتياز عاما كان أو خاصا هو أولوية ممنوحة لبعض الديون مراعاة لاعتبارات مختلفة إنسانية أو اجتماعية أو دينية أو متعلقة بالمصلحة العامة ... وهو أيضا تأمين ذو مصدر قانوني وغير خاضع للإشهار في مبدئه. فلا يمكن تطبيق منطق الاشهار عليه، اي تحديد الترتيب بالأسبقية في تاريخ الترسيم او التنصيص. وإنما يحل التزاحم الذي يشمل الامتياز اعتمادا على طبيعة التأمين العيني، فيغلّب الامتياز على الرهن مثلما أكده صريح الفصل 195 م ح ع في فقرته الأولى.

              <أما بالنسبة إلى الفرضية الثانية، فيجب الرجوع إلى الفصل 309 م ا ع الذي عرف حق الحبس بأنه وضعية فعلية تقوم على المسك المادي لشيء يملكه المدين بين يدي الدائن حتى يتمّ أداء الدين. فهو تأمين عيني مصدره القانون عملا بالفصل 193 م ح ع وكذلك بالفصل 309 م ا ع الذي نصّ على أنه: "لا يجري العمل به إلا في الأحوال التي خصصها القانون". ويخول لصاحبه حق الأفضلية على غيره من الدائنين طبقا للفصل 323 م ا ع والاحتجاج به على الكافة حسب ما ورد بالفصل 324 م ا ع.
وينتج عن هذه الأحكام مبدئيا أنه إذا تزاحم دائن حابس ودائن مرتهن، فإن الأفضلية تكون لحق الحبس اعتمادا على مصدره القانوني الذي يشترك فيه مع الامتياز. وكذلك على مطلق عبارة "غيره من الغرماء" المستعملة في الفصل 323 م ا ع والتي تشمل الدائن المرتهن، فضلا عن تعذر إخضاع حق الحبس لمنطق الإشهار بما أنه بتعريفه وضعية فعلية.
ويظهر هكذا أن المعيار المعتمد في فض التزاحم بين الدائن الحابس والدائن المرتهن هو معيار طبيعة التأمين لا تاريخ الإشهار. وما دام أن حق الحبس هو تأمين عيني مصدره القانون فهو مفضل على الرهن مهما كان تاريخ إشهاره أكان قبل ممارسة الحبس أم بعده.
لكنّ الحقيقة هي أن هذا الموقف قابل للنقاش، إذ خلافا للامتياز الذي أقر المشرع تفضيله على الرهن وفق الفصل 195 م ح ع (فقرة ثانية)، لا يتوفّر حق الحبس على مثل هذا الحكم الصريح في النصوص المنظمة له في مجلة الالتزامات والعقود. كما أن الفصل 278 م ح ع يقرر أن الرهن يكون موجودا إزاء الغير من يوم ترسيمه والحال أن الدائن الحابس هو من الغير المشمولين بعبارة هذا النص. فبأي منطق يقع استثناؤه منه خاصة أن ذلك يفرغ إشهار الرهن من كل قيمة ويحرم الدائن المرتهن من الحماية المرتبطة به.
على أنه يمكن الرد على هذا الموقف اعتمادا على ما اتجه إليه المشرع في إطار القانون الجديد المنظم للإجراءات الجماعية في باب ترتيب الدائنين. فقد تضمن الفصل 569 م ت أن الديون المتمتعة بحق حبس مفضلة على الديون الموثقة برهن. مما يمكن اعتباره دليلا واضحا على أن الدائن الحابس مقدم على الدائن المرتهن.
ومع ذلك فإن هذه الحجة يمكن الاستناد إليها لتدعيم الموقف المعاكس، باعتبار أن التفضيل المقرر بالفصل 569 م ت ينحصر في ميدان الإجراءات الجماعية دون غيره. أما في نطاق التتبعات الفردية، فما دام لا وجود لنص صريح يقضي بتفضيل حق الحبس على الرهن، فإن التزاحم يفضّ بالرجوع إلى معيار الإشهار. وعليه، تكون الأولوية للدائن الحابس إذا كان حبسه سابقا عن إشهار الرهن، بينما إذا ثبت أن إشهار الرهن سابق لقيام الحبس، فالأولوية للدائن المرتهن الذي يحق له ذلك ولو اضطر إلى تتبع العقار بين يدي حابسه.

الفقرة الثانية: حق التتبع

يستفاد من الفصول 270 و 280 و281 (فقرة ثانية) م ح ع أن حق التتبع هو الحق الممنوح للدائن المرتهن للتنفيذ على العقار المرهون بين يدي من انتقلت اليه ملكيته دون أن يكون ملزما شخصيا بالدين، لغاية ممارسة حق الأفضلية على مقابله النقدي.
ويعد حق التتبع بهذا المعنى أثرا هاما للرهن العقاري لأنه لا يحرم الراهن من التفويت في العقار إلى الغير ولا يمنع من تداوله من يد إلى يد، مع حفظ حق الدائن في التنفيذ عليه بين يدي من انتقلت إليه الملكية. وهكذا، يضمن التتبع فاعلية حق الأفضلية ويحول دون إفراغه من فاعليته وجدواه.
ويتضح بالرجوع إلى النصوص المنظمة لحق التتبع في مجلة الحقوق العينية أن الدائن المرتهن لا يجوز له ممارسته إلا بتوفر جملة من الشروط (أ). وفي المقابل، يتمتع واضع اليد بجملة من الخيارات التي يمنحها له المشرع في مواجهة الدائن القائم بالتتبع (ب).

أ-الشروط

لا يمكن للدائن المرتهن التمتع بحق التتبع إلا بتحقق الشروط الآتية:

3 أن يقع إشهار الرهن عن طريق ترسيمه بالرسم العقاري أو التنصيص عليه في سند الملكية حسب الحالات. ومعنى ذلك أن الإشهار هو شرط أولي وضروري لممارسة حق التتبع. بل إن إشهار الرهن يشكل أساسا كافيا للتنفيذ في العقارات المسجلة، إذ يعتبر سندا مرسما عملا بالفصلين 302 و 451 م م م ت، يغني صاحبه عن التحصيل على سند تنفيذي تقليدي متمثلا في حكم محرز على قوة اتصال القضاء.

3أن يتولى المالك الجديد الذي يطلق عليه المشرع تارة "واضع اليد" وتارة أخرى "حائز العقار"، إشهار سند ملكيته هو بدوره، وإلا فلا يمكنه الاحتجاج بملكيته تجاه الدائن المرتهن ومن حق الدائن المرتهن عندئذ توجيه التنفيذ ضدّ المدين مباشرة كما لو أن العقار لم يخرج من ذمته. ويرجع ذلك إلى أن من حق الدائن المرتهن أن يجهل وجود واضع اليد غي غياب إشهار سنده.

3ألاّ يكون المالك الجديد مطلوبا شخصيا بالدين. أما إذا كان حائز العقار مطالبا بأداء الدين المحمول على المدين، فلا حاجة لممارسة حق التتبع. ومثال ذلك وارث المدين الذي تنتقل إليه ملكية العقار عن طريق الميراث مشفوعة بالالتزامات التي يتحملها المورث نحو دائنيه، إذ تقتضي الأحكام العامة للالتزامات أن الوارث يعتبر خلفا عاما لمورثه يحل محله في ديونه في حدود منابه من التركة ( الفصل 241 م ا ع).

3أن يحل أجل الدين المضمون بالرهن ويصبح واجب الوفاء لأنه لا مجال للشروع في التنفيذ على العقار قبل أن يصبح المدين مطالبا بالأداء.
واعتبارا لأن حق التتبع هو في جوهره عقلة للعقار المرهون بين يدي الغير، فإن المشرع خص هذه العقلة بإحكام خاصة في كل من مجلة المرافعات المدنية والتجارية ومجلة الحقوق العينية. ويتبين من هذه الأحكام أن العقلة تمر بمراحل ثلاث أساسية:

              a مرحلة التحضير للعقلة بتوجيه إعلام للمدين الأصلي وإنذار واضع اليد بدفع الدين الحال أو بالتخلي عن العقار المرهون عملا بالفصل 283 م ح ع.

              a مرحلة ضرب العقلة العقارية فعليا ضد المدين من قبل الدائن بواسطة إنذار قائم مقام عقلة تنفيذية في العقارات المسجلة وبترسيمه في السجل العقاري طبقا للفصلين 452 و453 م م م ت وعن طريق محضر عقلة تنفيذية في العقارات غير المسجلة عملا بالفصل 460 م م م ت.

              a وفي المرحلة الأخيرة يباع العقار بيعا جبريا أمام دائرة البيوعات العقارية قصد توزيع ثمنه على الدائنين.
على أنه يمكن لواضع اليد الذي يرغب في تفادي افتكاك العقار من يده، أن يمارس أحدى الصلاحيات  القانونية التي تتيح له بذلك.

              ب-الخيارات

تخول مجلة الحقوق العينية لواضع اليد فرصة تجنب آثار مباشرة حق التتبع ضده من قبل الدائن المرتهن عن طريق جملة من الخيارات والإمكانيات، وهي:

              K دفع كامل الدين المحمول على المدين تطبيقا لمنطوق الفصل 282 م ح ع الذي اقتضى أنه: "يكون واضع اليد ملزما في تلك الحالة (أي عند إنذاره) بدفع الدين أصلا وفوائد مهما بلغ مقداره..".

              J مواجهة الدائن ببعض الدفوعات المتعلقة به أو بالمدين الأصلي. والمقصود بذلك أن يستعمل واضع اليد وسائل الدفاع الممكنة قانونا في وجه الدائن المرتهن لمنعه من عقلة العقار أو بيعه. ومثال ذلك أن يثير إشكالا تنفيذيا أو يرفع قضية في بطلان التنبيه الموجه له أو بطلان إجراءات العقلة برمتها... كما يمكن لحائز العقار أن يدفع في مواجهة الدائن بانقضاء الدين أساس التنفيذ بالأداء أو بأي سبب آخر أو ببطلانه أو بطلان الرهن أصلا...

Lالتخلي عن العقار المرهون. وهي الامكانية المتاحة لوضع اليد لمنع الدائن المرتهن من ممارسة العقلة تجاهه وتحويل وجهتها ضد مؤتمن عدلي تعينه المحكمة. مما يؤدي الى اقصاء حائز العقار من إجراءات العقلة واخفاء اسمه من معلقاتها الاشهارية خوفا على سمعته، مع إعفائه من عبء إدارة العقار وما قد يستتبعه من مسؤوليات.
وأقر المشرع هذه الإمكانية لواضع اليد بمقتضى الفصلين 284 و285 م ح ع، حيث تضمن الأول أنه: " يمكن لواضع اليد إن لم يكن مطلوبا شخصيا أن يتخلى عن العقار. ويجوز له إلى حين التبتيت العدول عن التخلي بخلاص كامل الدين والمصاريف. ونص الثاني على أنه: "يقع التخلي بكتابة المحكمة التي بدائرتها الأعيان وعلى كاتب المحكمة أن يسلم وصلا في ذلك. وإذا كان العقار مسجلا فإن على كاتب المحكمة أن يعلم بالتخلي فورا مدير الملكية العقارية الذي يتولى التنصيص على ذلك برسم الملكية. ويقع بطلب من أحرص الطرفين تعيين مؤتمن يباع عليه العقار طبق الاجراءات المتبعة في البيوعـات الجبرية".

       J تطهير العقار من الرهن بواسطة عرض ثمنه أو قيمته على الدائن المرتهن لخلاصه عملا بالفصول 292 م ح ع وما بعدها. ومن هذه النصوص يتضح أن التطهير هو بمثابة تصريح بالإرادة يعرضه واضع اليد على الدائنين المرتهنين قصد تحرير العقار من الرهن المسلط عليه.  ويصرح المالك الجديد بمقتضى هذا العرض بأنه مستعد لخلاص الديون الموثقة بالرهن والتكاليف التابعة لها بقـدر الثمن أو القيمة المصرح بها بدون خصم أي مبلغ من ذلك لصالح البائع أو أي شخص آخر (الفصل 294).
ولا يخلو الأمر بعد هذا العرض من أحد الفرضين: إما أن يقبله الدائنون المرسمون أو يرفضوه.

              aففي صورة القبول، يقوم نوع من الاتفاق بين واضع اليد والدائنين على أن يدفع لهم ثمن العقار أو قيمته لقاء تفريطهم في كافة رهونهم. ويؤدي ذلك إلى تحرير العقار من الرهون بعد أداء الديون في حدود قيمة العقار وذلك حسب رتبة كل دائن أو تأمين ما يفي بها في صندوق الودائع والأمانات.

              aأما في صورة رفض العرض من قبل بعض الدائنين أو أحدهم، فتكون النتيجة إذا لم يكن هناك من يرغب في القيام بدعوى الفسخ على معنى الفصل 295 م ح ع، هي بيع العقار بالمزاد العلني مع ضرورة عرض الزيادة في الثمن بما لا يقل عن السدس من قبل الدائن الرافض ( الفصول 296 إلى 298 م ح ع).

              L ولا بد في النهاية من الإشارة إلى وجود إمكانية أخيرة يتعرض لها واضع اليد في صورة تقاعسه عن ممارسة أي خيار من الخيارات المذكورة. وهي تحمل العقلة العقارية الموجهة ضده من قبل الدائن القائم بالتتبع بما يعرضه إلى انتزاع العقار من يده.


mercredi 1 avril 2020

آثار الرهن العقاري بين الطرفين



         

              العنوان الثاني: آثار الرهن العقاري
يرتب الرهن العقاري آثارا مختلفة لعل أبرزها بين طرفيه، تخويل الدائن المرتهن حق التنفيذ على العقار المرهون في صورة تخلف المدين عن الوفاء بالدين. وتبلغ فاعلية الرهن أوجها إزاء الغير باعتبار أن التأمين العيني معد بالأساس لكي يمارس تجاه الغير بواسطة حقي الأفضلية والتتبع.
ويفهم من هذا أن دراسة آثار الرهن تقتضي التمييز فيها بين ما هو متعلق بأطرافه (الباب الأول) وهو مرتبط بالغير(الباب الثاني).

الباب الأول: آثار الرهن بين أطرافه.
لتحليل آثار الرهن بين الدائن المرتهن والمدين الراهن، يتجه التمييز بين فترتين: ما قبل حلول أجل الدين (الفقرة الأولى) وما بعده (الفقرة الثانية).

              الفقرة الأولى: آثار الرهن قبل حلول الدين
الأصل أنه قبل حلول أجل الدين الذي يضمنه الرهن، يبقى الراهن سواء أكان مدينا أم كفيلا عينيا محافظا على كل السلطات والصلاحيات التي يستمدها من حق الملكية. ذلك أن الرهن باعتباره تأمينا عينيا غير حيازي، لا يحرم المالك من مواصلة حيازة العقار المرهون ولا يجرده من حقوق الاستعمال والاستغلال والتفويت على معنى الفصل 17 م ح ع.
وفي المقابل تقتضي حماية مركز الدائن المرتهن تمكينه من حق الاعتراض على كل الاعمال الصادرة عن الراهن التي يمكن ان تؤدي الى المساس من قيمة العقار او التي قد تضعف من حقوق الدائن. وهذا يعني أن الرهن يفرض على صاحب العقار واجب المحافظة على قيمة العقار واحترام حقوق الدائن المرتهن. وهو ما تقرر صراحة في الفصل 207 م ح ع الذي جاء به أنه: "ليس للراهن أن يفعل بالمرهون ما ينقص قيمته بالنسبة لما كان عليه وقت العقد ولا ما يمنع المـرتهن من إجراء الحقوق الناشئة له من الرهن ".
ويترتب على عدم احترام هذين الالتزامين جزاء خاص يتمثل في سقوط اجل الدين عملا بصريح الفصل 276 م ح ع الذي تضمن أنه: "إذا هلكت العقارات المرهونة او تعطبت بحيث أصبحت غير كافية لضمان الدين كان للدائن الحق في طلب الوفاء بالدين". وتعتبر هذه القاعدة تطبيقا للفصل 149 م اع الذي يوجب سقوط الاجل في صورة إنقاص المدين للضمانات التي قدمها للدائن.
 أما إذا كان هلاك العقار أو تعيبه بغير فعل الراهن أو تقصيره، فإنه يمكن تفادي جزاء سقوط الأجل بتقديم رهن جديد معوض لسابقه أو مكمل له، مثلما تؤكده الفقرة الثانية من الفصل 276 م ح ع بقولها: " على أنه إذا كان الهلاك أو العطب بغير فعل المدين جاز لهذا الأخير أن يعرض لدائنه رهنـا عقاريـا إضافيا".  

الفقرة الثانية: آثار الرهن بعد حلول الدين

يصبح الدين أساس الرهن مستحق الأداء إما بحلول الأجل أو بسقوطه. وعندئذ لا يخلو الأمر من فرضيتين: إما أن يتولى المدين الوفاء بالدين أو يمتنع عن الأداء.

J إذا وقع الوفاء بالدين، فإن الدين ينقضي ويزول معه الرهن بالتبعية. وعلى الدائن في هذه الصورة رفع يده على الرهن وتخليص العقار من التحمل الذي يثقله. وبذلك يتسنى للراهن التشطيب على الرهن من الرسم العقاري في صورة ما إذا كان العقار المرهون مسجلا.

              Lأما إذا لم يقع الوفاء بالدين، فعندئذ يكون من حق الدائن السعي إلى اقتضاء المبالغ المتخلدة في ذمة مدينه عن طريق إجراءات العقلة العقارية التي تخوّله بيع العقار المرهون جبريا امام القضاء واستخلاص دينه ثمنه.
ويمارس الدائن المرتهن العقلة العقارية وفق أحكام الفصل 410 وما بعده من مجلة المرافعات المدنية والتجارية مثله مثل أيّ دائن آخر أكان عاديا أم مفضلا.
ومع ذلك، لابد من التنبيه إلى أن المشرع أفرد الدائن المرتهن في باب التنفيذ ببعض القواعد الخاصة التي تتماشى مع وضعيته. ولئن كان المجال لا يتسع لتفصيلها باعتبارها تابعة لدرس طرق التنفيذ، إلا أنه لا مانع من الإشارة إلى أهمها:

Kأولا: ما يعرف فقها "بقاعدة التنفيذ الاحتياطي" التي تفرض على كل صاحب تأمين عيني باستثناء الامتياز العام، أن يبدأ بالتنفيذ على العين محل التأمين. ولا يحق له التنفيذ على غيرها من مكاسب المدين إلا إذا لم يتمكن من استيفاء كامل دينه.
 وهذه القاعدة مستمدة من الفصل 306 م م م ت الذي تضمن ما يلي: "ليس لمن كان مرتهنا أو صاحب امتياز خاص من الدائنين أن يطلـب عنـد كفايـة مكاسـب مدينـه المخصصة لضمان دينه بيع غيرها من المكاسب.
وليس له أن يعارض في عقلة المنقولات أو العقارات المخصصة لضمان دينه أو في بيعها جبريا متى طلب ذلك غيره من الدائنين وإنما له الاعتراض على المتحصل من البيع وإظهار ما له من حق الأولوية عند توزيع الثمن.
لكن له أن يعارض في عقلة المكاسب وبيعها جبريا من طرف غيره من الدائنين عندما تكـون قيمـة المكاسب المخصصة لضمان دينه غير كافية لخلاصه".

Jثانيا: التنفيذ مباشرة على العقار المرهون دون حاجة إلى سند تنفيذي وذلك استنادا إلى الفصل 451 م م م ت الذي أقرّ أن: "عقلة العقارات المسجلة عقلة تنفيذية يمكن أن تقع بمقتضى سند تنفيذي أو سـند مرسـم بالسجل العقاري".
ويسري هذا النص بداهة على الدائن المرتهن لعقار مسجل. ومضمونه أن ترسيم الرهن في الدفتر العقاري يعفي صاحبه من مشقة التوجه إلى المحكمة قصد استصدار حكم بإلزام المدين بأداء الدين المضمون. وإنما يمكن للدائن المرتهن الاستناد إلى الرهن المرسم للقيام مباشرة بإجراءات العقلة العقارية دون حاجة إلى حكم قضائي.

              Kثالثا: وجوبية العقلة العقارية. وفعلا، يعدّ الدائن المرتهن مجبرا على اتباع إجراءات العقلة العقارية، ولا يمكنه اقتضاء حقه باتباع وسائل أو طرق أخرى. وهو ما يستنتج من الفصل 298 م ح ع في باب الرهن العقاري الذي أقرّ بوضوح أنه: "يجرى البيع حسب الاجراءات المقررة في البيوعات العقارية الـواردة بمجلـة المرافعـات المدنيـة والتجارية".  
ويفضي هذا النص منطقيا إلى إقصاء نوعين من الاتفاقات أو البنود التي قد تغري الدائن فيسعى إلى اشتراطها عند تعامله مع مدينه. وهي شرط التملك بالعقار المرهون" Le Pacte Commissoire" وشرط الطريق الممهّد "La clause de voix parée  ".
-أما الأول فهو الشرط الذي يلتزم بمقتضاه المدين بأنه في صورة عدم خلاص الدين يصبح الدائن المرتهن آليا مالكا للعقار المرهون.
- وأما الثاني، فهو الشرط الذي يمنح بموجبه المدين للدائن المرتهن الحق في بيع العقار المرهون دون اتباع إجراءات العقلة العقارية.
وأساس إقصاء هذين الشرطين هو تفادي تعسف الدائن بلا وجه مشروع. ذلك أن قيمة العقار المرهون يمكن أن تتجاوز قيمة الدين المضمون. فإذا صار الدائن مالكا للعقار مباشرة بموجب شرط التملك، أدى ذلك إلى إثرائه على حساب المدين بحصوله على أكثر مما يستحقه. فضلا عن أن الدائنين الآخرين لنفس المدين سيحرمون من حقهم في التنفيذ على العقار، وبالتالي من إمكانية استخلاص ديونهم. وكذا الحال إذا تولى الدائن المرتهن بيع العقار خارج إجراءات العقلة العقارية عملا بشرط الطريق الممهد. ففي هذه الصورة، يمكن أن يقع التفويت في العقار بأقل من قيمته الحقيقية، فيحرم المدين من الاستفادة من الفارق في القيمة ومعه دائنوه الذين كان بإمكانهم استيفاء ديونهم لو تم التنفيذ عن طريق العقلة العقارية لما توفره هذه الوسيلة من ضمانات.
وعلى الرغم من أن المشرع لم ينص صراحة على بطلان التعامل بالشرطين المذكورين في مجال الرهن العقاري أو بطلانهما، إلا أن هذه النتيجة تستفاد ضرورة من خلال الفصل 298 م ح ع الذي أحال أحكام البيوعات العقارية الواردة بمجلة المرافعات المدنية والتجارية. كما يمكن الوصول إليها بمقتضى القياس على الفصل 256 م ح ع في باب رهن المنقول الذي تضمن ما يلي: " يعد باطلا كل شرط ولو بعد العقد من شأنه أن يخول الدائن تملك الرهن أو التصرف فيه بدون إتمـام الشكليات التي أوجبها القانون عند عدم وفاء المدين بالدين.
 كما يعد باطلا كل شرط ولو بعد العقد من شأنه أن يخول الغير المؤتمن تصفية الرهن وخلاص الدائن بدون إتمام الشكليات التي أوجبها القانون عند عدم وفاء المدين بالدين".

Lرابعا: تعذر التنفيذ على العقار المرهون في صورة وجود إجراءات جماعية.  وتعدّ إجراءات جماعية على معنى الفصل 413 من المجلة التجارية (م ت) الإجراءات التي تهدف إلى إنقاذ المؤسسات المارة بصعوبات اقتصادية عن طريق نظامي التسوية الرضائية أو التسوية القضائية. وفي صورة استحالة الإنقاذ، القضاء بتفليسها وتصفيتها. وفي كل صورة من هذه الصور الثلاث تتعطل أعمال التنفيذ بما في ذلك على العقارات المرهونة إما بموجب قرار قضائي عملا بالفصل 427 م ت في إطار التسوية الرضائية أو بقوة القانون تطبيقا للفصل 449 م ت في باب التسوية القضائية والفصل 488 م ت المتعلق بالتفليس.
لكن تعليق حق الدائن المرتهن في التنفيذ لا يعني انعدام أي أثر للرهن العقاري.      

lundi 30 mars 2020

اشهار الرهن العقاري


درس التأمينات الشخصية والعينية

لطلبة السنة الثالثة إجازة أساسية في القانون الخاص

أعزائي الطلبة،
أرجو أن تكونوا جميعا بخير.
أبدأ أولا بتذكيركم بما سبق أن درسناه منذ بداية السداسي الثاني.
فقد انطلق الدرس بتقديم عام للمادة تعرضنا فيه إلى المفاهيم التالية:
-        مفهوم الالتزام
-        مفهوم التنفيذ
-        حق الضمان العام
-        مفهوم التأمينات
ثم قسمنا الدرس كما يلي:

المحور أول-التأمينات الشخصية:

وفيه تعرضنا إلى أنواع التأمينات الشخصية وركزنا عل الكفالة التي تناولناها في ثلاث أجزاء:

الجزء الأول: أركان الكفالة

الجزء الثاني: آثار الكفالة

الجزء الثالث: انقضاء الكفالة

المحور الثاني-التأمينات العينية

وفي هذا الإطار تحدثنا عن أنواع التأمينات العينية التي عددها المشرع في الفصل 193 م ح ع وهي: الامتياز والرهن العقاري ورهن المنقول وحق الحبس.
وشرعنا في دراسة القسم الأول المتعلق الرهن العقاري من خلال مقدمة عامة عالجنا فيها النقاط التالية:
-        مفهوم الرهن العقاري
-        تطور الرهن العقاري
-        أهمية الرهن العقاري
-        خصائص الرهن العقاري
وبعد ذلك أعلنا أن دراسة الرهن ستتم على مرحلتين: نتناول في المرحلة الأولى مصادره ثم في المرحلة الثانية نظامه القانوني.

الجزء الأول: مصادر الرهن العقاري

وفيه رأينا أن الرهن العقاري يمكن أن ينشأ إما بموجب الاتفاق بين طرفين (الدائن والمدين) أو بمقتضى نص قانوني أو كذلك بموجب حكم قضائي.  ولاحظنا أن أهم مصدر للرهن العقاري هو العقد. ثم بعد ذلك يأتي القانون الذي أقر ّ رهونا لفائدة بعض الأشخاص الطبيعيين أو المعنويين في بعض الحالات المتفرقة. أما الرهن القضائي فهو يكاد يكون مفقودا في القانون التونسي. وعلى هذا الأساس انصب اهتمامنا في هذا الجزء على المصدرين الأساسيين للرهن العقاري.
-        العنوان الأول: الرهن القانوني
-        العنوان الثاني: الرهن الاتفاقي
وفي هذا الباب تعرضنا إلى الشروط الأساسية لتكوين عقد الرهن على النحو التالي:

-        الفرع الأول: أطراف الرهن
-        الفرع الثاني: شكليات الرهن
-        الفرع الثالث: محل الرهن
وفيما يلي بقية الجزء الثاني من المحور المتصل بالرهن العقاري.

الجزء الثاني: نظام الرهن العقاري

في الجزء الأول من درس الرهن العقاري تناولنا مصادره ورأينا ان هذا التأمين العيني ينشأ تارة بموجب العقد وتارة أخرى بقوة القانون.
على أن الرهن سواء أكان مصدره الاتفاق أو نص القانون، يخضع لنظام قانوني موحد.
وتقتضي دراسة النظام القانوني للرهن العقاري التطرق إلى ثلاث نقاط: الآثار التي يرتبها (العنوان الثاني) والقواعد المنظمة لانتقاله بين الدائنين (العنوان الثالث) ثم أخيرا أسباب انقضائه (العنوان الرابع).
لكن ينبغي قبل دراسة هذه المسائل، التعرض إلى الشكليات إشهار الرهن باعتبارها شرطا ضروريا لنفاذه وتحقّق نظامه القانوني. (العنوان التمهيدي).

 - العنوان التمهيدي: اشهار الرهن العقاري.

- العنوان الثاني: آثار الرهن العقاري.

        - العنوان الثالث: انتقال الرهن العقاري.

    - العنوان الرابع: انقضاء الرهن العقاري.

العنوان التمهيدي: اشهار الرهن العقاري

من المسلم به قانونا وفقها أن الرهن العقاري لا يمكن أن يكون تأمينا عينيا ناجعا إلا إذا تم إشهاره.
والمقصود بالإشهار القانوني (la publicité légale) عموما هو جملة الشكليات المستوجبة بهدف إعلام الغير بالتصرفات أو الوقائع القانونية والاحتجاج بها إزاءهم.
ويحصل الإشهار القانوني بعدة وسائل من بينها النشر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية أو بإحدى الصحف اليومية، أو الترسيم بالسجل الوطني للمؤسسات أو بدفتر   السفينة أو الطائرة....
 ولقد حدد المشرع كيفية اشهار الرهن العقاري في الفصلين 278 و279 م ح ع وعدة نصوص أخرى في باب الرهن وخارجه. ويستدعي فهم هذه النصوص ابداء بعض التوضيحات العامة حول وسائل الإشهار العقاري (الفرع الأول) قبل التطرق إلى الأحكام الخاصة بإشهار الرهن العقاري (الفرع الثاني).

الفرع الأول: الأحكام العامة للإشهار العقاري

لمعرفة القواعد المتصلة بالإشهار العقاري لابدّ من التمييز بين العقارات غير المسجلة والعقارات المسجلة.
- أما في العقارات غير المسجلة، فيتم الإشهار أساسا عن طريق التسجيل في القباضة المالية « l’enregistrement à la recette des finances ». والتسجيل في القباضة هو في أصله معلوم جبائي يدفع لخزينة الدولة وتخضع له الأحكام القضائية وعقود البيع والشراء وغيرها من العمليات القانونية الوارد تحديدها في مجلة معاليم التسجيل والطابع الجبائي.  ولكن المشرع أفرده بدورين إضافيين يتمثلان فيما يلي:

ü   إعطاء تاريخ ثابت للكتب غير الرسمي على معنى الفصل 450 م ا ع.
ü   الاحتجاج بالتصرف إزاء الغير في العمليات المتعلقة بالعقارات غير المسجلة من بيع (الفصل 581 م ا ع) وكراء (الفصل 729 م ا ع) ومعاوضة (الفصل 719 م ا ع) وشركة (الفصل 1254م ا ع) وصلح (الفصل 1466 م ا ع)....
 -وأما في العقارات المسجلة فيتم الإشهار أساسا بواسطة الترسيم في الرسم العقاري. ويقتضي فهم هذه الشكلية ابداء بعض التوضيحات الضرورية لفهم نظام الاشهار العيني الذي يسري على هذا العقارات المسجلة.
وفعلا، يهدف نظام الإشهار العيني إلى حماية الغير الذي يريد التعامل في العقار المسجل بتمكينه من معرفة جميع ما يطرأ عليه من تصرفات وحقوق عينية أو شخصية حتى يكون تعامله في مأمن من المفاجآت وقائما على الثقة والطمأنينة. ومن مزايا هذا النظام أنه يمكّن الغير من معرفة مالك العقار بسهولة والاطلاع على مختلف المعلومات التي تسمح بتحديد العقار مساحة وحدودا بكل دقة خلافا لما هو الحال في العقارات غير المسجلة التي تفتقد إلى مثل هذه الضمانات.
وبذلك يساهم الاشهار العقاري في تحقيق الأمن القانوني « la sécurité juridique »  سواء بالنسبة إلى صاحب العقار المسجل أو من يروم التعامل معه.
فأما أمن المالك فيحصل عن طريق تخليص الحق العقاري من المنازعات والدعاوى التي يمكن أن يكون عرضة لها وتصفية الوضعيات العقارية الشائكة وتطهيرها.
وأما أمن الغير المتعاملين في العقار فيتحقق من خلال إشاعة الثقة في نفوسهم حول وضعيته القانونية والمادية مما يشجعهم على التعاقد مع صاحبه وهم على يقين من أنهم يتعاملون فعلا مع من يجب قانونا.
ويتميز نظام الإشهار العيني باعتماده على العقار كوحدة للتسجيل والإشهار. فيفرد كل عقار برسم خاص به في السجل العقاري تدرج فيه كل الحقوق والتحملات والتصرفات الواقعة عليه. ويتم إحداث هذا الرسم بموجب سلسلة من الإجراءات القضائية والإدارية التي تفضي إلى إقرار الملكية لفائدة صاحبها وتطهيرها من كل الحقوق والدعاوى السابقة. فيبعث العقار إلى الحياة القانونية بوضعية واضحة من خلال حكم التسجيل jugement d’immatriculation » «الصادر عن المحكمة العقارية. ويدخل بذلك في صنف العقارات المسجلة ويخصص له دفتر تمسكه إدارة الملكية العقارية ترسم فيه كل العمليات والحقوق الواردة عليه التي يشترط القانون إشهارها.
وهذا ما أوضحه الفصل 358 م ح ع الذي اقتضى أنه: "تتولى إدارة الملكيّة العقاريّة إقامة رسم عقاري لكل عقار مسجّل.  ويحتوي هذا الرسم على بيان اسم العقار وموقعه ومساحته ومحتواه وينصّ به علـى جميـع الحقـوق المتعلّقة بالعقار والخاضعة للإشهار بمقتضى هذه المجلة. ويبقى المثال مضافا الى الرسم العقاري. ولكل رسم عقاري معرف يتكون من عدد رتبي واسم الولاية مرجع النظر الترابي".
ويجب التنبيه إلى أن الترسيم في إدارة الملكية العقارية لا يشمل كل التصرفات أو الوقائع القانونية وإنما ينحصر في الأمور التي أوجب المشرع إشهارها عن طريق هذه الشكلية. وهذا ما أقره صراحة الفصل 390 م ح ع الذي جاء به أنه:" لا تقع مباشرة العملية المطلوبة إلا إذا كان الحق المراد ترسيمه او قيده احتياطيا مـن الحقـوق التـي اقرتها هذه المجلة والتي يجب اشهارها". وقد بيّن المشرع في الفصل 373 من نفس المجلة ما يجب إشهاره بطريق الترسيم برسم الملكية، وهي خاصة " الصكوك والاتفاقات فيما بين الأحياء مجانية كانت أو بعوض وجميع الأحكام التي أحرزت قوة ما اتصل به القضاء سواء تعلقت تلك الصكوك والاتفاقات والأحكام بإنشاء حـق عينـي أو بنقلـه أو بالتصريح به أو بتعديله أو بانقضائه أو بجعله غير قابل للتفويت أو بالتقييد من حرية جولانـه أو بتغييـر أي شرط آخر من شروط ترسيمه....".
 كما تخضع لشكلية الترسيم "عقود تسويغ العقارات التي تتجاوز مدتها ثلاثة أعوام وكذلك عقود التسويغ التي تقل مدتها عـن ذلك أو عقود تجديده إذا كانت تخول الانتفاع بالعقار مدة تتجاوز نهايتها انقضاء السنة الثالثة من التاريخ الذي أبرمت فيه على أن عقود التسويغ التي تتجاوز مدتها ثلاثة أعوام والتي لم يقع ترسيمها يمكن الاحتجاج بهـا على الغير إلى انتهاء مدة الثلاثة أعوام الجارية في يوم ترسيم الصك أو الحكم الذي تـم بمقتـضاه الانتفاع بالعقار.  وكذلك "الصكوك والأحكام المثبتة لخلاص أو إحالة مبلغ يتجاوز معين كراء عام لم يحل أجل أدائه".

ويقصد بالصكوك على معنى الفصل 373 م ح ع، الحجج المكتوبة التي تتضمن الأعمال القانونية الواجب إشهارها في الرسم العقاري.

وتنقسم هذه الصكوك إلى ثلاثة أنواع:

·      صكوك إرادية أو اختيارية سواء أكانت من جانب واحد كالوصية مثلا أم من جانبين كالبيع والمعاوضة والرهن العقاري وغير ذلك من العقود والاتفاقات المتضمنة لتصرف قانوني خاضع للإشهار.
·      صكوك قضائية. وهي الأحكام والقرارات القضائية التي تأذن بالترسيم.
·      صكوك إدارية صادرة عن هيئة إدارية عمومية. ومثال ذلك أمر الانتزاع للمصلحة العمومية أو قرار إسقاط حق.
والأصل أن تكون هذه الصكوك متعلقة بحقوق عينية، لكن المشرع يوجب بصورة استثنائية ترسيم صكوك متصلة بحقوق شخصية كعقد الكراء الذي تتجاوز مدته ثلاثة أعوام.
ويقع إشهار هذه الحقوق بموجب الترسيم في ظل المبادئ التي تحكم السجل العيني وأهمها ثلاثة:

v   مبدأ الشرعية
يجد هذا المبدأ أساسه في الفصل 306 م ح ع الذي اقتضى أنه: "يتولى مدير الملكية العقارية قبل قيامه بأية عملية مباشرة التحقيقات التي تقتضيها هذه المجلة". وكذلك الفصل 388 م ح ع الذي تضمن طالعه أنه: "لا يمكن لإدارة الملكيّة العقاريّة إلا إذا كان هناك مانع قانوني أن ترفض بصفة نهائية أو تؤجّل ترسيما أو تشطيبا على ترسيم أو حطّا من ترسيم أو تعديل ترسيم وقع طلبه بصفة قانونية".
ويقصد بهذا المبدإ أنه على إدارة الملكية العقارية عندما يقدم لها مطلب ترسيم أن تجري التحريات الضرورية للتثبت من أن هذا المطلب مطابق لمقتضيات القانون ولا مانع من الاستجابة له. وتشمل الرقابة على شرعية المطلب العملية المراد ترسيمها عدة جوانب منها خاصة مدى تحقق شروط صحتها وتوفر أهلية أطرافها وسلطتهم في إجرائها ...

v   مبدأ التسلسل
وهو مستمد من الفصل 392 م ح ع الذي أقرّ أنّ: "لكل شخص أن يطلب من مدير الملكية العقارية مع تقديمه للوثائق التي توجب هـذه المجلـة تقـديمها ترسيم حق عيني أو تشطيب ترسيم أو الحط منه أو تعديله". مؤكدا أنه: " لا يقع ترسيم هذا الحق إلا إذا كان منجرا مباشرة ممن سبق ترسيمه باسمه". فمثلا إذا كان مطلب الترسيم يتعلق بعقد بيع، فإنه عملا بمبدإ التسلسل، لا يمكن قبول هذا المطلب إلا إذا كان البائع الذي تولى التفويت هو آخر شخص وردت الإشارة إليه في الرسم باعتباره مالكا للعقار المبيع. أما إذا كان هذا البائع لا وجود له في الرسم العقاري، فلا سبيل إلى ترسيم البيع الذي صدر منه قبل ترسيم العملية السابقة التي أصبح بموجبها مالكا للعقار موضوع البيع.

مبدأ المفعول المنشئ للترسيم

وهو مبدأ مقرّر  في الفصل 305 م ح ع الآتي نصه: " كل حق عيني لا يتكون إلا بترسيمه بالسجل العقاري وابتداء من تاريخ ذلك الترسيم ".
ويعني هذا المبدأ أن التصرفات القانونية لا يكون لها وجود قانوني إلا باحترام شكلية الترسيم. أي أن الترسيم هو الذي ينشأ الحق العيني، وليس للتصرف المتعلق به القوة الكافية لكي ينشأ سواء بين أطرافه أو إزاء الغير ما لم يقع إشهاره في الرسم العقاري.
وتعتبر وظيفة إنشاء الحق بموجب الترسيم وظيفة جديدة ومستحدثة في نطاق منظومة السجل العيني بما أنها لا تشمل كل الرسوم العقارية وإنما الرسوم التي حددها المشرع في القانون عدد 91 لسنة 2000 المؤرخ في 31 أكتوبر 2000 المتعلق بتطبيق المفعول المنشئ للترسيم على بعض الرسوم العقارية. وهي أولا، الرسوم الجديدة المحدثة بموجب أحكام صادرة بالتسجيل العقاري بعد دخول القانون المؤرخ في 20 أفريل 1998 حيز التنفيذ. وثانيا، الرسوم الواقع تحيينها على معنى القانون عدد 34 المؤرخ في 10 أفريل 2001 المتعلق بتحيين الرسوم العقارية وتخليصها من الجمود.
أما الوظيفة الأصلية للترسيم كما تم إقرارها منذ صدور مجلة الحقوق العينية فهي الاحتجاج بالتصرف إزاء الغير. ويترتب على ذلك أن التصرف يكون صحيحا ومنتجا لآثاره الشخصية والعينية بين أطرافه بنفسه. أي بمجرد تحقق شروط صحته ودون حاجة لإدراجه في الرسم العقاري. بيد أنه لا يمكن معارضة الغير به إلا بإشهاره. وهذا ما تضمنه الفصل 305 م ح ع في نصه الأصلي حيث ورد أن كل حق عيني "لا يعارض به الغير إلا بترسيمه ومن تاريخ ذلك الترسيم". وتسري الوظيفة الاحتجاجية للترسيم على كل الرسوم ما عدى التي وقع استثناؤها بموجب القانون المؤرخ في 31 أكتوبر 2000 والتي صارت خاضعة لمبدإ المفعول المنشئ.
ويعتبر هذا التقديم العام لنظام الإشهار العيني مدخلا ضروريا لفهم القواعد الخاصة لإشهار الرهن العقاري.

الفرع الثاني: الأحكام الخاصة لإشهار الرهن العقاري

تقتضي دراسة الأحكام الخاصة لإشهار الرهن العقاري الرجوع إلى التفرقة التقليدية بين العقارات غير المسجلة (الباب الأول) والعقارات المسجلة (الباب الثاني).

الباب الأول: إشهار الرهن الموظف على عقار غير مسجل

يتم اشهار الرهن في العقار غير المسجل بواسطة التنصيص عليه برسم الملكية تطبيقا للفصل 279 م ح ع الذي اقتضى أنه: " بالنسبة للعقار غير المسجل فإن الترسيم بسجل الملكية العقارية يعوض بالتنصيص على الرهن برسم الملكية بواسطة عدلين".
وتمكن هذه الشكلية الغير الذي يريد التعامل في العقار المرهون مع مالكه من التعرف على وضعيته القانونية بمجرد إلقاء نظرة على رسم ملكيته الذي يتضمن التنصيص على الرهن.
ويبدو أن الرهن العقاري ينفرد بهذه الشكلية عن سائر العقود والتصرفات الواقعة على عقار غير مسجل والتي رأينا سابقا أنه يقع إشهارها عن طريق التسجيل في القباضة المالية. ومرد ذلك إلى أن التسجيل في القباضة هو بالأساس إجزاء جبائي لتحقيق مداخيل مالية لفائدة الخزينة العامة ولا يقترن بإحداث دفاتر عمومية معدة للاطلاع عليها من الغير لمعرفة الحقوق الموظفة على العقار. أما التنصيص على الرهن فوق رسم الملكية فيحقق وظيفة الإشهار المطلوبة من خلال إتاحة العلم بوجود الرهن المنصوص عليه من قبل أي شخص يطلع على هذا الرسم.
ومما يساعد على ضمان تحقق الإشهار، أن عملية تدوين الرهن فوق رسم ملكية العقار تتم بواسطة عدلين كما أوجبه الفصل 279 م ح ع. ويعتبر عدل الإشهاد صاحب الاختصاص المطلق في هذا المجال لا يشاركه فيه غيره من المأمورين العموميين. ويباشر العدل مأموريته في ظل الواجبات المحمولة عليه بموجب القانون المنظم لمهنته (القانون عدد 60 لسنة 1994 المتعلق بتنظيم مهنة عدول الإشهاد) ومن أهمها تسجيل الرهن بدفتر خاص. وهو ما من شأنه أن يصون الرهن من النسيان أو الضياع بتسهيل عملية إثباته اعتمادا على البيانات المضمنة بالدفتر، بالإضافة إلى حفظه من التشكيك فيه أو دحضه بما أن الحجة العادلة تتمتع بحصانة الحجج الرسمية فيما تتضمنه من تصريحات أو أعمال قانونية ما لم يطعن فيها بالزور.
غير أن شكلية التنصيص على أهميتها ونجاعتها، فهي تشكو بعض العيوب، إذ يتضح بالرجوع إلى الواقع العملي أنه يمكن أن تعترض الأطراف الراغبين في التعامل صعوبتان تؤثران سلبيا على وظيفة الإشهار، تتعلق الأولى بفرضية تعدد رسوم الملكية وتتصل الثانية بفرضية انعدام الرسم.

v   فرضية تعدد الرسوم:
يمكن في بعض الأحيان أن يكون للعقار المراد رهنه أكثر من حجة ملكية واحدة تثبت حقوق الراهن عليه. ويحصل ذلك في صور عديدة من بينها مثلا، لو كان الراهن قد اكتسب ملكية العقار عن طريق الشراء وكانت بيده عدّة نسخ مطابقة للأصل من عقد البيع. أو كذلك إذا أصبح الراهن مالكا للعقار عن طريق الميراث، فتولى إقامة حجة وفاة تكون سندا لملكيته، ثم استخرج منها عدة نظائر.
ولا شك أن هذه الوضعية قد تنال من نجاعة الإشهار لأنها تفتح الباب واسعا أمام التلاعب. وفعلا، يمكن لمالك العقار الذي يمسك بيده عدة حجج ملكية أن يتعامل مع دائنين مختلفين وفي كل مرة يستظهر بسند جديد لا يتضمن التنصيص على الرهن السابق. ويؤدي ذلك حتما الى الاضرار بالدائنين المرتهنين الذين سيعتقد كل واحد منهم أنه هو الوحيد المستفيد من الرهن والحال أن العقار مرهون لأكثر من دائن دون علم البقية.

v   فرضية انعدام الرسم:
يقصد بانعدام الرسم، غياب كل أثر خطي أو وثيقة مكتوبة تدل على ملكية المالك للعقار المزمع رهنه. وتؤدي هذه الوضعية الى حرمان المدين من إمكانية رهن عقاره باعتبار أنه يصعب على الدائنين التعامل معه أو اقراضه خشية ان لا يتمكنوا من اشهار رهونهم، مما يمنعهم من ممارسة حقوقهم المنجرة لهم من الرهن على العقار عند الاقتضاء.
وتتحقق هذه الفرضية في حالتين: حالة المدين الذي كان له رسم ثم فقده بسبب الضياع مثلا أو الاختلاس أو التلاشي أو غير ذلك من الأحوال. وحالة المدين الذي ليس بيده رسم مطلقا. ويشمل ذلك غالبا الشخص الذي تكون ملكيته مستندة على الحيازة دون ان يكون له رسم للعقار الذي يملكه. وتهم هذه الوضعية جزءا واسعا من العقارات غير المسجلة في بلادنا التي يتصرف فيها أصحابها تصرف المالك في ملكه بموجب وضع اليد في غياب أي وثيقة تثبت ما لهم من الحقوق عليها.
ولعله يمكن في غياب الرسم تدارك الأمر عن طريق استصدار حكم قضائي يقضى باستحقاق العقار لحائزه أو ما شابه ذلك من الحلول المؤدية إلى حصول المدين على وثيقة مثبتة لملكيته، وبذلك يستطيع أن يرهن مع التنصيص على الرهن فوق الحجة الكتابية أو الرسم الذي بين يديه. لكن لا شيء يمنع في هذه الحال المالك من استخراج نظائر جديدة لسند ملكيته وإعادة رهنه للعقار مرات متعددة، بما يعيدنا إلى المعضلة الأولى المتعلقة بتعدد الرسوم.
وهكذا يتأكد لنا ما ينطوي عليه إشهار رهن العقار غير المسجل من نقائص تحد من نجاعته.
  لكن الأمر يبدو مختلفا في ميدان العقارات المسجلة.
                                                                                    
الباب الثاني: إشهار الرهن الموظف على عقار مسجل

حدد المشرع وسيلة اشهار الرهن المتعلق بالعقار المسجل في الفصل 278 م ح ع الذي اشترط لتحقيق هذه الغاية شكلية الترسيم بإدارة الملكية العقارية حسب القواعد المنصوص عليها بالمجلة المذكورة. ويعتبر هذا النص تطبيقا خاصا للفصلين 305 و 373 م ح ع اللذين يوجبان إشهار الحقوق العينية الموظفة على عقارات مسجلة بواسطة ترسيمها في الرسم العقاري.
ويطرح إنجاز الترسيم سؤالين أساسيين: من يطلبه؟ وما هي إجراءاته؟

v   طلب الترسيم:
"لكل شخص أن يطلب من مدير الملكية العقارية مع تقديمه للوثائق التي توجب هذه المجلة تقديمها ترسيم حق عيني...". هذا ما نصت عليه الفقرة الأولى من الفصل 392 م ح ع التي تفتح المجال أمام إمكانية الترسيم لكل من يطلبه. وتتوفر المصلحة في طلب الترسيم لدى العديد من الأشخاص. أولهم، الدائن المرتهن بما أنه هو المستفيد الرئيسي من الرهن الموظف على عقار المدين ومن الآثار المترتبة عنه في صورة إشهاره والمتمثلة في حقي الأفضلية والتتبع.
ورغم أن المدين لا يقع عليه واجب ترسيم الرهن إلا أنه لا شيء يمنعه من القيام به. بل يتضح بالرجوع إلى واقع المعاملات أن المؤسسات البنكية تشترط دائما على حرفائها المستفيدين من القروض أن يقدموا لها ما يفيد إشهار الرهن الموظف على عقارهم قبل ان يقع تمكينه من المبالغ موضوع القرض.
وتمتد المصلحة في الترسيم إلى ورثة الدائن المرتهن إثر وفاته، إذ تنتقل إليهم ملكية الديون طبقا للأحكام العامة ومن ثم يحسن بهم حفظها بترسيم الرهون الموثقة لها. ويكون ذلك على أساس الفصل 396 م ح ع.
كما تقوم المصلحة في الترسيم في جانب دائن الدائن المرتهن في صورة تقاعس هذا الأخير عن إتمامه وذلك طبقا لمقتضيات الفصول 306 و 307 و 308 م ا ع المتعلقة بالدعوى غير المباشرة. أما لو انتقل إليه الرهن عن طريق الإحالة أو الحلول، فإن دائن الدائن يكتسب صفة المحال له الذي يجوز له مباشرة الترسيم باسمه استنادا إلى الفصل 374 م ح ع الذي نص على أنه: " يجب التنصيص على نقل الرهن العقاري الواقع بطريقة الحلول أو بغيرها من الطرق بالرسم العقاري. ويخول هذا التنصيص للمحال له أو لمن حلّ محلّ غيره حق التصرّف في الترسيم ورفع اليد عنه...".
ويلاحظ في مختلف الصور المتقدمة أن طلب الترسيم حاصل بسعي ممن هو معني به مباشرة سواء بصفته دائنا أم مدينا. لكن ذلك لا يمنع من وجود حالات يخول فيها المشرع لبعض الأشخاص إمكانية ترسيم الرهن في حق غيرهم. وهم خاصة:
- محررو الصكوك على معنى الفصل 377 م ح ع (مكرر جديد) الذي تضمن أنه يختص بتحرير الاتفاقات الخاضعة للترسيم بما فيها الرهن العقاري كل من "حافظ الملكية العقارية والمديرون الجهويين وأعوان إدارة الملكية العقارية المكلفين بمهمـة التحرير إضافة إلى عدول الإشهاد والمحامين المباشرين، غير المتمرنين". وجميع هؤلاء حملهم الفصل 377 (ثالثا) بواجب القيام "بالإجراءات اللازمة للترسيم".
- أمين الفلسة الذي أوجب عليه الفصل 524 من المجلة التجارية اتخاذ جميع التدابير الضرورية لحفظ أموال المدين بما في ذلك طلب ترسيم التوثقات على أملاك مديني المدين إذا لم يسبق لهذا الأخير أن طلب ذلـك
وفي كل هذه الحالات لا بد لكل شخص يتقدم إلى إدارة الملكية العقارية بطلب في ترسيم الرهن، أن يحترم الإجراءات المطلوبة لذلك.

v   إجراءات الترسيم:
لا تختلف إجراءات ترسيم الرهن في مجملها عن الإجراءات العادية المتبعة في ترسيم أي حق عيني على عقار مسجل. وهي تتلخص عموما في جملة من المبادئ المتوالية وفق نظام منطقي يقوم على تقديم مطلب في الترسيم من قبل أحد الأشخاص المذكورين أعلاه مرفوق بالوثائق اللازمة (الفصل 392 م ح ع فقرة أولى) يقع إيداعه لدى إدارة الملكية العقارية في سجل خاص (الفصل 380 م ح ع) مقابل وصل يسلم لطالب الترسيم من قبل مدير الملكية العقارية (الفصل 382 م ح ع) الذي يتولى بعد ذلك فحص تلك الوثائق والتثبت من صحتها ومن عدم وجود أي مانع يحول دون ذلك في إطار مبدإ الشرعية (الفصلان 389 و 390 فقرة ثانية م ح ع ) ولا يباشر ترسيم الرهن إلا مع مراعاة مبدإ التسلسل كما أقره الفصل 392 م ح ع في فقرته الثانية).
فإذا استوفى المطلب جميع موجباته وتم قبول ترسيم الرهن في الرسم العقاري، أمكن لهذا التأمين العيني أن يرتب آثاره.