dimanche 3 mai 2020

الامتيازات: خصائصها وأنواعها



الامتـــيازات


الامتيازات هي، على غرار الرهن العقاري، سبب من أسباب التفضيل الوارد ذكرها في الفصل 193 م ح ع.
وتخضع مادة الامتيازات في تنظيمها إلى مجموعة من النصوص والاحكام التي يمكن تقسيمها إلى مجموعتين:
- مجموعة أولى تتكون من الأحكام العامة والمشتركة بين جميع الامتيازات موضوع الفصول من 194 الى 198 م ح ع.
- مجموعة ثانية تشمل النصوص الخاصة المتعلقة بالامتيازات، بعضها موجود في مجلة الحقوق العينية (الفصلان 199 و200) والبقية خارجها في إشارة مثلا إلى الفصول 33 و 34 من مجلة المحاسبة العمومية أو 205 من المجلة التجارية أو 65 و 71 من مجلة التجارة البحرية و غيرها.
ولفهم هذه المادة في ضوء مختلف النصوص المنظمة لها يتجه تناول ثلاث مسائل أساسية: خصائص الامتيازات (الجزء الأول) وأنواعها (الجزء الثاني) ثم آثارها (الجزء الثالث).

الجزء الأول: خصائص الامتيازات
الجزء الثاني: أنواع الامتيازات
الجزء الثالث: آثار الامتيازات

الجزء الأول: خصائص الامتيازات
لدراسة هذه الخصائص يجب الانطلاق من الفصل 194 م ح ع الذي عرّف الامتياز بأنه: " حق عيني يعطيه القانون في تفضيل بعض الدائنين على بعض للخلاص من مكاسب المدين نظرا لصفة ديونهم".
ويفهم من هذا النص أن خصائص الامتيازات تتمثل أساسا فيما يلي:

<الصبغة العينية للامتياز: أي أن الامتياز ليس حقا شخصيا أو وصفا من أوصاف الالتزام وإنما هو حق عيني تبعي. وهو كالرهن العقاري حق غير قابل للتجزئة، بمعنى أنه يبقى بكامله على كل الأشياء التي يشملها ويضمن كامل الدين الممتاز. وتشديدا على صبغته العينية، أشار المشرع إلى الامتياز في الفصل 12 م ح ع ضمن قائمة الحقوق العينية العقارية. وبذلك يصبح من قبيل التّرف التساؤل عن طبيعة الامتياز في قانوننا، والحال أنها محل جدل بين الشراح في القوانين المقارنة نظرا لعزوف هذه القوانين عن تحديد موقفها بوضوح من المسألة. لكن الإقرار الصريح للصبغة العينية في نصوصنا لا يمنع من البحث فيما إذا كانت كل عناصر ومقومات الحق العيني متوفرة في الامتيازات وخاصة منها الامتيازات العامة.

<المصدر القانوني للامتياز: ومعناه أن الامتياز هو تأمين عيني ينشأ بنص من القانون ولا ينشئه الاتفاق ولا القاضي. ويعبّر عن هذه الخاصية فقها بمقولة: "لا امتياز بدون نصّ".

< الصبغة الاستثنائية للامتياز: ويرجع ذلك إلى أن الأصل هو المساواة بين الدائنين (الفصل 192 م ح ع) والأفضلية هي استثناء. وما دام الامتياز هو سبب استثنائي للتفضيل فوجب أن يخضع لقاعدة التأويل الضيق للنصوص ولا يجوز التوسع فيه أو القياس عليه.

<الدين هو الممتاز لا الدائن: فالامتياز هو تأمين عيني يعطى للدائنين "نظرا لصفة ديونهم".   ويعني ذلك ان إقرار الامتياز راجع لأسباب لا ترتبط بذات الدائن أو بصفته وإنما بدينه. فالقانون هو الذي يختار ديونا ويفضلها على غيرها. ويبقى الدين ممتازا ولو أحيل إلى دائن جديد (الفصل 196(فقرة ثانية) م ح ع).
والمقصود بصفة الدين إذن هي الاعتبارات التي يراعيها المشرع في منح الأفضلية لبعض الديون على حساب ديون وحقوق أخرى. وهذه الاعتبارات متنوعة ومختلفة. فقد يتقرر تقديم بعض الديون لأسباب إنسانية كما هو الحال بالنسبة للأجور أو مصاريف العلاج والتداوي (الفصل 199 (ثانيا) م ح ع) أو دين النفقة (الفصل 199 (خامسا) م ح ع). وقد تكون الأولوية المعطاة قائمة على دوافع دينية، مثلما هو شأن بالنسبة إلى مصاريف تجهيز الميت (الفصل 199 (أولا) م ح ع). وقد يكون أساس الامتياز أحيانا أخرى هو حماية المصلحة العامة، في إشارة إلى امتياز الخزينة العامة على معنى الفصل 199 (رابعا) م ح ع.

< الامتياز هو تأمين عيني غير حيازي: أي انه لا يشترط لصحة الامتياز أو لقيامه أن يتولى المدين تسليم المال محل الامتياز الى الدائن مثلما هو الحال بالنسبة لتأمينات عينية أخرى حيازية كرهن المنقول الذي لا يصح الا بتسليم الدين المرهون إلى الدائن المرتهن أو حق الحبس الذي لا ينشأ الا إذا كان المال المحبوس بين يدي الدائن. وتستفاد هاته الخاصية ضمنيا من الفصل 194 م ح ع الذي عرّف الامتياز دون اشتراط ضرورة تحويز الدائن بالمال محل الامتياز.

<  تفوق الامتيازات على سائر التأمينات العينية: فقد تضمّن الفصل 195 م ح ع   في فقرته الأولى أنّ: "الدين الممتاز مفضل على غيره من الديون وحتى على الديون الموثق برهن عقاري". ويترتب عن هذا النصّ أن الامتيازات سواء أكانت عامة أو خاصة تتفوق في رتبتها على الديون العادية والديون المضمونة بتأمينات أخرى (رهن عقاري، رهن منقول، حق حبس).

< انقسام الامتياز إلى نوعين عام وخاص: وهذا التقسيم أقره المشرع صراحة في الفصل 197 م ح ع بقوله "الامتياز نوعان عام وخاص فالعام يشمل جميع المنقول والعقار والخاص لا يتسلط الا على أعيان معينة".
ويفهم من هذا النص ان الامتيازات تعتبر عامة وخاصة بحسب ما إذا كانت تشمل جميع مكاسب المدين او جزءا منها فقط. فاذا كان الامتياز يتسلط على كل مكاسب المدين المنقولة والعقارية اعتبر عاما، بمعنى ان الدائن الممتاز يمارس حق أفضليته على كل عين أو شيء او مال او حق يجده في الذمة المالية لمدينه يوم الشروع في التتبع أو عند توزيع حصيلة التنفيذ. ويكون الامتياز خاصا إذا لم يكن الدائن الممتاز متمتعا بأفضلية الا بالنسبة لمال أو حق محدد موجود في ذمة مدينه.
ويترتب عن هذه التفرقة الأساسية جملة من النتائج أبرزها ما يلي:
1/ اختلاف الامتياز العام عن الامتياز الخاص من حيث نطاق الأفضلية التي يتمتع بها كل دائن. فهذا النطاق يعتبر واسعا في الامتياز العام لأنه يمتد إلى جميع مكاسب المدين القابلة للتنفيذ، بينما هو محدود في الامتياز الخاص لأنه منحصر في العقار أو المنقول محل هذا الامتياز.
2/ الاختلاف من حيث كيفية التنفيذ على مكاسب المدين. فإذا كان الدائن صاحب امتياز خاص، وجب عليه عند كفاية مكاسب مدينه المخصصة لضمان دينه أن يمتنع عن تتبع غيرها من المكاسب وذلك تطبيقا للفصل 306 م م م ت. أما الدائن صاحب الامتياز العام فلا يخضع لقاعدة الفصل 306 م م م ت وإنما يسري عليه الفصل 304 م م م ت الذي يقتضي أن عمليات التنفيذ تباشر أولا على المنقولات، فإن لم تكن كافية أو موجودة، جاز له التنفيذ على العقارات.
3/ الاختلاف في نوع التزاحم الذي يمكن أن يحصل بين الامتيازات ذاتها إذا كانت مكاسب المدين غير كافية لخلاص جميع ديونه. فهذا التزاحم يبدو حتميا في مجال الامتيازات العامة التي تنبسط على كل ما يملكه المدين من أشياء وما يدخل في ذمته من حقوق. وهذا ما يفسر حرص المشرع على ترتيبها وبيان منزلة كل دين ممتاز إزاء غيره. أما في نطاق الامتيازات الخاصة، فيبدو التزاحم استثنائيا نظرا لاختلاف المكاسب التي يتسلط عليها كل امتياز خاص. وهذا ما يبرّر عدم ترتيبها في مجلة الحقوق العينية او نصوص أخرى.

الجزء الثاني: أنواع الامتيازات
اقتضى الفصل 197 م ح ع أن: "الامتياز نوعان عام وخاص. فالعام يشمل جميع المنقول والعقار والخاص لا يتسلط إلا على أعيان معينة". وهذا التقسيم التشريعي للامتيازات هو الذي ينبغي اعتماده في عرض أنواعها.

العنوان الأول: الامتيازات العامة
عدّد المشرع أهمّ الامتيازات العامة في الفصل 199 م ح ع (الفرع الأول). وإضافة إلى هذا النص المحوري، تمّت الإشارة إلى بعض الامتيازات العامة في نصوص أخرى خارج مجلة الحقوق العينية (الفرع الثاني).

              الفرع الأول: الامتيازات المقررة في الفصل 199 م ح ع
اقتضى الفصل 199 م ح ع أن:" الديون الممتازة بعموم المنقول والعقار هي ما يأتي حسب الترتيب:
أولا: مصاريف تجهيز الميت.
ثانيا: ديون الأطباء والصيادلة والممرضين المتألّفة من اجر العلاج وثمن الأدوية عن الستة أشهر الأخيرة.
ثالثا: المصاريف القضائية التي صرفت في مصلحة جميع الدائنين لحفظ ما هو ضمان للدائنين وبيعه.
رابعا: المبالغ المستحقة للخزينة العامة من ضرائب وأداءات مختلفة بالشروط المقررة في النصوص الخاصة.
خامسا: أجور الخدمة والعملة وكل أجير آخر وثمن لوازم معاش المدين وعائلته والنفقة كل ذلك عن الستة أشهر الأخيرة".
ولفهم هذا النص يتجه التعرض إلى الامتيازات الواردة فيه تباعا.

              1/ امتياز مصاريف الدفن (الفصل 199، أولا)
يفترض هذا الامتياز قيام شخص بدفع المبالغ الضرورية لتجهيز المتوفي ودفنه (شراء كفن، تغسيل الميت، نقله إلى مكان الدفن...). فإذا افتتحت تركة الميت وتقدم دائنوه سعيا لاستيفاء ديونهم، كانت الأولوية في الخلاص للدائن الذي سدّد مصاريف التجهيز. وهو ما يؤكده الفصل 87 من مجلة الأحوال الشخصية. ويبدو أن أساس منح هذا الامتياز هو التشجيع على أداء واجب أخلاقي وديني نحو المتوفى يحث عليه الإسلام وتلخصه مقولة: "إكرام الميت دفنه".

       2/ امتياز مصاريف العلاج والتداوي (الفصل 199، ثانيا)
يتحقق هذا الامتياز في صورة وجود مريض استدعى علاجه الالتجاء إلى خدمات طبيب أو ممرض ثم تولّى شراء الأدوية اللازمة من الصيدلية. وتمنح الأولوية بموجب هذا الامتياز إلى كل من الطبيب والممرض ضمانا للوفاء بأجورهم وكذلك للصيدلي في سبيل استخلاص ثمن الأدوية التي اقتناها منه المريض. وينبغي التنبيه هنا إلى أن الأمر يتعلق بامتيازات مقررة لثلاثة ديون مختلفة: دين الطبيب ودين الممرض ودين الصيدلي. وواضح أن دوافع إقرار هذه الامتيازات هي إنسانية بالأساس حتى لا يتأخر هؤلاء عن تقديم العون للمريض والقيام بما يلزم لمعالجته. مع العلم بأن التمتع بالأفضلية غير مطلق وإنما ينحصر في مدة الستة أشهر الأخيرة دون أن يوضح المشرع كيفية احتساب هذه المدة.

       3/ امتياز المصاريف القضائية (الفصل 199، ثالثا)
 يكفل هذا الامتياز خلاص كل المصاريف التي بذلها الدائن في سبيل حفظ مكاسب المدين والتنفيذ عليها بشرط أن يكون قد انجرّ نفعها إلى بقية الدائنين. ولمعرفة الديون المضمونة بهذا الامتياز تحديدا، وجب الرجوع إلى الفصلين 301 و 429 م م م ت. مع التنبيه إلى ضرورة عدم الخلط بين هذه المصاريف المضمونة بامتياز عام على معنى الفصل 199 م ح ع ومصاريف توزيع حصيلة التنفيذ وترتيب الدائنين التي تتمتع بامتياز خاص يتسلط على ثمن التبتيت محل التوزيع.

       4/ امتياز الخزينة العامة(الفصل 199، رابعا)
يعدّ امتياز خزينة الدولة من أهم الامتيازات نظرا لاتساع نطاقه ولقوة الاعتبارات المبررة له والقائمة على حماية الصالح العام من خلال الحرص على توفير موارد الدولة وتجنب تعطيل أعمالها وإدارتها لمرافق البلاد. ويضمن هذا الامتياز كل مستحقات الدولة مهما كان نوعها ومصدرها سواء أكانت جبائية أم غير جبائية وحقوق غيرها من الذوات المعنوية كالجماعات العمومية المحلية والمؤسسات العمومية ذات الصبغة الصناعية والتجارية والحال أنّ هذه الأخيرة تعامل في مجالات أخرى (تعاقد، تقاضي..) معاملة الأفراد والذوات الخاصة. كما يكفل خلاص الديون المستوجبة لفائدة عدد من الدواوين والصناديق كالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية وصندوق ضمان النفقة وجراية المطلقة. ونفس الامتياز مخول لهيئة السوق المالية وللوكالة القومية للتبغ والوقيد بل وللبنوك التي تساهم فيها الدولة. مع الملاحظ أنّ المشرع أراد أن يكفل لهذه الديون أوفر وسائل الحماية فأخضعها، جلها، لإجراءات الاستخلاص الإداري المقررة في مجلة المحاسبة العمومية.

       5/ الامتيازات المعاشية (الفصل 199، خامسا)
يقر الفصل 199 م ح ع في فقرته الأخيرة ثلاثة امتيازات مختلفة:
- أما الأول فيضمن ديون الأجراء والعملة إزاء مؤجريهم ومشغّليهم. فإذا لم يقع خلاصهم في أجورهم ومستحقاتهم، يكون من حقهم استخلاصها بالأفضلية على غيرهم من الدائنين بموجب الامتياز الممنوح لهم. ويجب التنبيه في هذا الصدد إلى أن امتياز الأجراء يخضع لنظام خاص يقتضي ربط الفصل 199 م ح ع بنصوص أخرى خارج المجلة أهمها الفصل 151 ـ 2 من مجلة الشغل الذي تضمن أنه:" تدفع الأجور في جزئها غير القابل للحجز المحدد بالفصل 354 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية قبل الديون الأخرى مهما كانت درجة امتيازها. وتدفع بقية الأجور والمستحقات الأخرى للعملة قبل المبالغ المستحقة للخزينة العامّة". وكذلك الفصل 570 من المجلة التجارية الذي اقتضى ما يلي: "يُمنح امتياز مدعّم للدّفع وتستخلص قبل غيرها أجور العملة في جزئها غير القابل للحجز وفق أحكام الفصل 151 ثانيا من مجلة الشغل وديون المستخدمين والبحارة ونواب التجار المتجولين وممثلي التجارة للستة أشهر الأخيرة السابقة لحكم التسوية القضائية أو التفليس والديون المنصوص عليها بالفقرات 1 و2 و3 من الفصل 199 من مجلة الحقوق العينية. زيادة على الفصل 571 من نفس المجلة حيث ورد أنه: "يجوز للعملة والمستخدمين والبحارة ونواب التجار المتجولين وممثلي التجارة أن يباشروا الحقوق وينتفعوا بالامتيازات المنصوص عليها بالرتبة الخامسة من الفصل 199 من مجلة الحقوق العينية فيما بقي مستحقا لهم من الدين".
- وأما الثاني فيضمن دين النفقة المستوجبة لفائدة الزوجة أو الأبناء أو الآباء على معنى الفصلين 37 و43 من مجلة الأحوال الشخصية. ويشمل دين النفقة عملا بالفصل 50 م أ ش ما هو ضروري لمعاش الدائن من طعام وملبس ومسكن وتعليم...
              - وأما الامتياز الأخير فيكفل خلاص ثمن لوازم معاش المدين. ويفترض هذا الامتياز أن يكون المدين قد تزوّد من الدائن الذي قد يكون بائعا للمواد الغذائية مثلا بما هو ضروري لتوفير قوته هو وعائلته من مواد أساسية. ثم امتنع عن تسديد ثمن المواد التي اشتراها.  فيحق عندئذ للدائن أن يستوفي المبالغ المتخلدة في ذمة مدينه مستفيدا من الامتياز الممنوح له.

              الفرع الثاني: الامتيازات المقررة خارج مجلة الحقوق العينية
توجد أهم هذه الامتيازات في المجلة التجارية التي تضمنت ما يمكن أن نطلق عليه امتياز الديون الجديدة (1) وفي مجلة التأمين التي تعرضت إلى امتياز المنتفعين بعقود التأمين (2).

1/ امتياز الديون الجديدة
المقصود بالديون الجديدة هي الديون التي تنشأ بعد افتتاح إجراءات التسوية الرضائية أو القضائية أو كذلك على إثر صدور حكم بالتفليس ضد المدين. وقد أفرد المشرع الدائنين الذين قبلوا التعامل مع المؤسسة الخاضعة لإجراءات جماعية بامتياز عام على مكاسبها ضمانا لخلاص ديونهم وذلك لتشجيعهم على الانخراط في الإجراءات والأعمال الهادفة إلى إنقاذ المؤسسة المارة بصعوبات اقتصادية أو إلى تصفيتها عند الاقتضاء. وأول هذه الامتيازات نجده في الفصل 429 من المجلة التجارية الذي اقتضى أنه:" في حالة افتتاح إجراءات التسوية القضائية أو التفليس، تعطى للدائن الذي قبل ضمن اتفاق التسوية الرضائية المصادق عليه ضخ أموال جديدة أو توفير منقولات أو عقارات أو تقديم خدمات لمساعدة المؤسسة على مواصلة نشاطها، الأولوية، وتستخلص ديونه قبل الديون الأخرى باستثناء الديون التي تتمتع بامتياز مدعم للدفع". وجاء الامتياز الثاني في الفصـل 450 من نفس المجلة الذي نصّ على ما يلي:" تعطى الأولوية للديون الجديدة المترتبة على المؤسسة بداية من انطلاق فترة المراقبة والتي لها علاقة مباشرة وضرورية بمواصلة نشاطها ولمعينات كراء العقارات والمنقولات التي تكون موضوع إيجار مالي وضرورية لمواصلة نشاط المؤسسة والتي تمتعليق إجراءات التنفيذ الرامية إلى استرجاعها والتي حلّ أجل الوفاء بها قبل انطلاق فترة المراقبة وتستخلص قبل الديون السابقة الأخرى ولو كانت ممتازة". أما الامتياز الأخير فقد أقره المشرع لفائدة المسوغ ضمانا لأداء معاليم الكراء المستوجبة على المدين وذلك بمقتضى الفصل 490 م ت الذي تضمّن أنه في صورة فسخ الكراء " تكون لديون المكري المتولدة عن الكراء خلال فترة المراقبة أو منذ الحكم بالتفليس إلى تاريخ إخلاء المحل الأولوية المنصوص عليها بالفصل 450 من هذه المجلة. وتستثنى من ذلك الفترة التي استغرقها تنفيذ برنامج إنقاذ انتهى بالتفليس".

       2/ امتياز المستفيدين من عقود التأمين
ورد هذا الامتياز بموجب الفصل 66 من مجلة التأمين الذي أقرّ أنه: "يحمل على أصول مؤسسات التأمين امتياز عام يخصص حسب الأولوية لخلاص المنتفعين بعقود التأمين على الحياة في حدود الأصول المخصصة لهذه العقود يليهم فيما بعد المنتفعون بعقود التأمين على غير الحياة. 
ويقدم هذا الامتياز على الامتياز العام للخزينة وذلك خلافا للفصل 199 من مجلة الحقوق العينية".
ويتضح من هذا النصّ أن الأشخاص الذين أبرموا عقود تأمين ثم تحقق الحادث المؤمّن، يحق لهم استخلاص مستحقاتهم المستوجبة على شركات التأمين اعتمادا على الامتياز العام المقرر لفائدتهم قانونا ضمانا لحقوقهم. وينبسط هذا الامتياز على جميع المكاسب الراجعة لشركة التأمين. مع الإشارة إلى أنه في صورة التزاحم تكون الأولوية في الخلاص للدائن المنتفع بعقد تأمين على الحياة على حساب الدائن المستفيد من عقد تأمين على غير الحياة.

العنوان الثاني: الامتيازات الخاصة
ينقسم الامتياز الخاص حسب محله إلى نوعين: امتياز خاص على منقول (الفرع الأول) وامتياز خاص على عقار (الفرع الثاني).

الفرع الأول: الامتياز الخاص على منقول
لا يتسع المجال لاستعراض جميع الامتيازات الخاصة على منقول. لذلك سنقتصر على تناول أهمها. وهي الآتية:

       1/ الامتيازات المقررة في الفصل 200(أولا) م ح ع
اقتضى الفصل 200 م ح ع أنّ الديون الممتازة ببعض المنقول هي "بالنسبة للمتحصل من بيع الصابة: الديون المترتبة عن ثمن البذور ومصاريف الأشغال الفلاحية ومصاريف الجني".
ويقرّ هذا النص ثلاثة امتيازات خاصة على نفس المحل لفائدة ثلاثة دائنين مختلفين.
 - أما محل الامتياز فهو الصابة أي المحصول الفلاحي الذي تحصل عليه المدين.
 - وأما الديون الممتازة فهي أولا ثمن البذور التي تولى المدين شراءها ولم يسددها لفائدة البائع. وثانيا، المبالغ والأجور المستحقة لفائدة الأشخاص الذين أعانوا المدين في انجاز الأعمال الفلاحية الضرورية كالحراثة مثلا أو السقي أو البذر أو الغرس .... وأخيرا، المصاريف المستوجبة لفائدة الأشخاص الذين ساهموا في جمع الصابة ونقلها وتخزينها وغير ذلك من الأشغال التابعة لعملية الجني.
وعلى هذا الأساس، يتمتع كل من بائع البذور  ومن ساهم في الأعمال الفلاحية  ومن شارك في أعمال الجني بامتياز خاص على نفس المحل المتمثل في المحصول الفلاحي ضمانا لاستخلاص الدين المتخلد في ذمة المدين.

              2/ امتياز المكري
تعرض المشرع إلى هذا الامتياز في الفصل 200 (ثانيا) م ح ع الذي اقتضى أن المُكري يتمتع بامتياز خاص: "بالنسبة لغلة العام وللمحصولات ولما هو مستعمل لخدمة الأراضي الزراعية وأثاث البيوت المكتراة الديون المترتبة عن معين كراء الربع والعقار وما شابهها من غلال مدنية لمدة العامين الأخيرين والسنة الجارية ولا يجري الامتياز المذكور إذا خرجت تلك الأشياء من العين وحصل الحق فيها للغير إلا في صورة نقلها مخادعة".
ولفهم هذا الامتياز يتجه توضيح من هو الدائن ومن هو المدين وما هو الدين المضمون فضلا عن المكاسب المنقولة محل الامتياز.
أما الدائن فهو المُكري، أي الشخص الذي تولى تسويغ عقاره سواء أكان أرضا فلاحية أم محلا مخصصا للسكنى أو التجارة أو أي نشاط آخر. وأما المدين فهو مكتري العقار. وأما الدين الممتاز فهو معاليم الكراء الواجب دفعها من قبل المكتري لقاء استغلاله للمكرى والتي امتنع عن الوفاء بها. وبالنسبة للمكاسب التي يتسلط عليها الامتياز، فهي المنقولات الراجعة للمدين والموجودة في العقار المكرى. فإذا كان محل الكراء عقارا فلاحيا امتد الامتياز إلى الغلال التي أنتجها وإلى المنتوج الزراعي الذي تم الحصول عليه زيادة على الأشياء المستعملة في خدمة الأرض (آلات فلاحية، دواب، أسمدة ...). وأما إذا كان الأمر يتعلق بمحل للسكنى أو للتجارة أو غيرها فيتسلط الامتياز على الأثاث الموجود داخله أو على المعدات والبضائع وغير ذلك من المنقولات التابعة للمدين.
 وعليه، إذا تم التنفيذ على المكاسب المنقولة لمكتري العقار، فإنه يحق للمُكري أن يستوفي معيّنات الكراء غير الخالصة من ثمن البيع الجبري لتلك الأشياء بالأفضلية التي يمنحها له الامتياز. مع التنبيه إلى أن هذه الأفضلية تقتصر على المعاليم التي لم يقع دفعها لمدة السنتين الأخيرتين والسنة الجارية. وتدعيما لحقوق الدائن خوّل له المشرع ممارسة حق الحبس على المنقولات الراجعة للمدين وذلك بمقتضى الفصل 788 م ا ع الذي نصّ على ما يلي:" يجوز للمكري أن يحبس الأمتعة وغيرها من الأشياء المنقولة الموجودة في المحل المكرى لاستيفاء ما حل من الكراء وما سيحل في أثناء السنة سواء كانت الأشياء للمكتري الأصلي أو للمكتري الثاني أو لغيرهما".

       3/ امتياز بائع السيارات والجرارات
جاء تنظيم هذا الامتياز بمقتضى الأمر المؤرخ في 7 نوفمبر 1935. ويتمتع به بائع السيارات والجرارات الفلاحية والعربات والآلات ذات المحرك وذلك ضمانا للوفاء بثمن البيع هذه الأشياء. ويمتد هذا الامتياز أيضا الى مقرض شراء تلك العربات كالمؤسسات البنكية او شركات الايجار المالي التي تقرض المشتري مالا لشراء تلك العربات ضمانا لخلاص مبلغ القرض.
ويشترط أمر 7 نوفمبر 1935 ترسيم الامتياز بدفتر خاص تمسكه إدارة النقل حتى يمكن الاحتجاج به على الغير. ويجب تقديم مطلب الترسيم في أجل لا يتجاوز الشهرين من تاريخ شراء العربة. وفي صورة قبول المطلب، يتم التنصيص على الامتياز في البطاقة "الرمادية" الخاصة بالعربة. ويحفظ الترسيم الامتياز لمدة خمس سنوات من تاريخه ما لم يقع تجديده. وتحدد رتبة الدائن الممتاز بحسب تاريخ تقديم مطلب الترسيم. وتدعيما لحظوظ الدائن الممتاز في استخلاص دينه، منحه المشرع إمكانية ممارسة حق التتبع عملا بالفصل الأول من الأمر المذكور.

        4/ امتياز عميل الوساطة
عرّف المشرع عقد وساطة العملاء (contrat de commission) في الفصل 601 من المجلة التجارية بانه العقد الذي يتولى بمقتضاه شخص يسمى الموكل شخصا آخر يدعى الوكيل بأن يتعاقد مع غيره باسمه الخاص (أي باسم الوكيل) ولكن لحسابه (أي لحساب الموكل). ويستحق الوسيط لقاء عمله أجرة (عمولة) بمجرد إنجازه للمعاملة المتفق عليها. وضمانا لاستخلاص عمولته، أقرّ القانون لفائدته امتيازا خاصا بمقتضى الفصول من 603 إلى 605 م ت. ويستفاد من هذه النصوص أن محل الامتياز ينصب على قيمة البضائع المرسلة له أو المودعة أو المؤمنة بمجرد إرسالها أو إيداعها أو تأمينها ضمانا لاستيفاء جميع القروض والسلفات والمدفوعات التي قدمها سواء قبل تسلمه البضائع أو في مدة وجودها في حيازته. ويضمن له هذا الامتياز استيفاء القروض أو السلفات أو المدفوعات المتعلقة بجميع المعاملات الناشئة بينه وبين موكله بدون تمييز بين ما كان منها مختصا بالبضائع التي ما زالت في حيازة صاحبها أو التي سبق إرسالها أو إيداعها أو تأمينها. ويشمل الدين الممتاز أصل المبالغ المستحقة للعميل مع الفوائض والأجرة والمصاريف.
ويظل امتياز العميل قائما على البضائع التي في حيازته وإن لم يترتب دينه بسببها.
على أنه إذا أناب العميل عنه عميلا آخر فلا يجوز لهذا الأخير التمسك بحق الامتياز إلا فيما يخص المبالغ التي قد تكون واجبة له على من صدر منه التفويض.

              5/ امتياز البائع الأصل التجاري
ورد تنظيم هذا الامتياز بالفصول من 205 الى 216 من المجلة التجارية. وبقراءة هذه النصوص يتبين أن بائع الأصل التجاري الذي لم يتمكن من قبض ثمن البيع، يتمتع بامتياز خاص على هذا الأصل ضمانا لاستخلاص دينه. ولا ينشأ هذا الامتياز إلا باحترام شكليتين: أن يكون البيع محررا في كتب مسجل بالقباضة وان يقع إشهاره عن طريق ترسيمه في دفتر خاص بكتابة المحكمة الابتدائية التي يقع في دائرتها الأصل التجاري (الفصل 205، فقرة أولى). ويجب إجراء الترسيم في ظرف خمسة عشر يوما من تاريخ البيع وإلا كان العقد باطلا (الفصل 206).
ويكفل الترسيم حفظ الامتياز لمدة عشر سنوات من تاريخه. وإذا لم يقع تجديده قبل انقضاء هذا الأجل، فهو يعتبر لاغيا (الفصل 212).
وينصبّ محل الامتياز على عناصر الأصل التجاري المبينة في عقد البيع وفي الترسيم. فإذا لم يعين على وجه الدقة ما يتناوله الامتياز فإنه لا يقع إلا على العناصر اللامادية وهي عنوان المحل التجاري واسمه والحق في الإجارة والحرفاء والسمعة التجارية (الفصل 205، فقرة ثانية).
وتتّبع في تحقيق الامتياز نفس الإجراءات المعمول بها في مادة رهن الأصل التجاري. ويحق للدائن الممتاز ممارسة حق التتبع بين يدي الغير في صورة التفويت في الأصل التجاري. ويأخذ الامتياز رتبته بين الامتيازات أو التأمينات العينية الأخرى بحسب تاريخ ترسيمه.

              6/ الامتياز الخاص للخزينة العامة
جاء هذا الامتياز الخاص بالفصل 34 من مجلة المحاسبة العمومية. ويهدف إلى تمكين الدولة من ضمان إضافي تدعيما للامتياز العام الذي تتمتع به بموجب الفصل 199 (رابعا) م ح ع. ويضمن هذا الامتياز خلاص الديون الجبائية من ضرائب ومعاليم موظفة على المكاسب المنقولة الراجعة للمطالبين بالأداء. وينبسط الامتياز على هذه المنقولات نفسها وعلى ثمارها ومداخيلها. ويمكن لإدارة الجباية ممارسة الامتياز لا فقط ضد المدين الأصلي بل إزاء أي شخص آخر حائز للثمار المذكورة وللمداخيل باعتباره متضامنا معه. غير أنه خلافا للامتياز العام للخزينة، فإن الامتياز الخاص على معنى الفصل 34 م م ع يحتل الدرجة الأولى ويسبق التأمينات العينية التي يتمتع بها دائنون آخرون حتى ولو كانت سابقة له.
ويذكّر هذا الامتياز بامتياز خاص آخر تتمتع به الخزينة العامة تطبيقا للفصل 115(فقرة ثانية) من مجلة معاليم التسجيل والطابع الجبائي الذي تضمن أنه علاوة على الامتياز العام المقرر لفائدتها، تتمتع الخزينة لاستخلاص معاليم التسجيل على التركات بامتياز على مداخيل الأملاك الواجب التصريح بها وذلك مهما كان الحائز لها.

        7/ امتياز مصاريف التوزيع
في صورة التنفيذ على مكاسب المدين وبيعها جبريا، يقع خلاص الدائنين من ثمن التبتيت. ويتقاسم الدائنون حصيلة التنفيذ عن طريق نوعين من الإجراءات التي نظمها المشرع في مجلة المرافعات المدنية والتجارية: إجراءات التوزيع عندما يتعلق الأمر بتبتيت منقولات المدين أو عقاراته غير المسجلة (الفصول 463 إلى 474 م م م ت). وإجراءات الترتيب المنطبقة على العقارات المسجلة (الفصول 475 إلى 484 م م م ت). وفي كلتا الحالتين، فإن المصاريف المبذولة من طالب التوزيع أو أي دائن آخر يمكن لصاحبها أن يستخلصها بمقتضى امتياز خاص ينصب على ثمن التبتيت وتكون له الأفضلية على سائر الديون الأخرى. وقد نصّ المشرع على هذا الامتياز في الفصول  488 و 484 و 480  م م م ت.

8/الامتيازات البحرية
تنقسم الامتيازات البحرية إلى نوعين: امتيازات بحرية دولية وأخرى وطنية.
- أما الامتيازات البحرية الدولية فقد جاء بها الفصل الرابع من الاتفاقية الدولية للامتيازات والرّهون البحرية المبرمة بجينيف في 6 ماي 1993 المصادق عليها بمقتضى القانون عدد 46 لسنة 1994 المؤرخ في 9 ماي 1994 والمنشورة بمقتضى الأمر عدد 516 لسنة 1995 المؤرخ في 9 جانفي 1995. وقد عيّن الفصل الخامس من الاتفاقية رتبة هذه الامتيازات في صورة تزاحمها فيما بينها ثم أقر الفصل السادس تفوقها على الامتيازات البحرية الوطنية بما انه اوجب على الدول المصادقة على الاتفاقية ان تكون امتيازاتها في مرتبة تلي الامتيازات المنصوص عليها في الفصل الرابع المذكور.
- وأما الامتيازات البحرية الوطنية، فقد تمّ إقرارها بمقتضى الفصل 71 من مجلة التجارة البحرية. ويتسلط الامتياز حسب هذا النص على السفينة وأجرة النقل لرحلة نشأ أثناءها الدين الممتاز وما يلحق بالسفينة وبالأجرة منذ بدء الرحلة من توابع.
وتعتبر ديونا ممتازة على معنى هذا النص حسب الترتيب الآتي:
"أولا ـ المصاريف القضائية الراجعة إلى الدولة والمصاريف المدفوعة في مصلحة الدائنين العامة لحفظ السفينة أو للحصول على بيعها وتوزيع ثمنها،
ثانيا ـ الأداءات على حمولة السفينة وأداءات المنار والميناء وغيرها من الأداءات والضرائب العامة من هذا النوع الموظفة على السفن ومصاريف الإرشاد وجر السفينة وحراستها وحفظها مع معداتها وأدواتها بوصفها مصاريف صرفت لتحقيق دخول السفينة إلى الميناء الذي بيعت فيه والمصاريف التي تدفعها الإدارة وجوبا لنقل السفن التي يكون في وجودها تعطيل أو خطر على بقية السفن أو على حسن استغلال الميناء،
ثالثا ـ الديون الناتجة عن عقد استخدام الربان والطاقم،
رابعا ـ الأجور المستحقة عن الإنقاذ والمساعدة ومساهمة السفينة في الخسائر المشتركة،
خامسا ـ التعويضات المستحقة عن التصادم وغيره من حوادث الملاحة وكذلك عن الأضرار التي تلحق المنشآت الفنية في الموانئ والأحواض وطرق الملاحة والتعويضات عن الجراحات التي تصيب الركاب والطاقم والتعويضات عن تلف الحمولة أو الأمتعة أو تعيبها،
سادسا ـ الديون الناشئة عن العقود التي يبرمها الربان والعمليات التي يباشرها في حدود ما له من السلطات القانونية بسبب الحاجة الحقيقية لصيانة السفينة أو مواصلة السفر".
ويتمتع أصحاب الامتيازات البحرية بحق التتبع بشرط ترسيمها في دفتر خاص معد للغرض عملا بالفصل 66 م ت ب الذي اقتضى أن: " للدائنين الذين رسم امتيازهم أو رهنهم على سفينة أن يتتبعوها أيا كانت اليد التي انتقلت إليها للمحاصة بديونهم واستخلاصها بحسب درجتها أو درجة ترسيماتهم". وتجدر الملاحظة أن تاريخ الترسيم لا يؤثر في رتبة الدين الممتاز التي تحدد في ضوء ما تقرر في الفصل 71 م ت ب بالنسبة إلى نفس الرحلة. وهذا ما أكده صراحة الفصل 72 م ت ب. وإذا كان هناك تزاحم بين ديون نشأت بمناسبة رحلتين مختلفتين، فإن الديون التي نشأت في الرحلة الأخيرة تفضل على الديون المتولدة عن الرحلة السابقة (الفصل 74 م ت ب).  وتعتبر الامتيازات البحرية مفضلة على الرهون البحرية وهذه على الامتيازات غير البحرية عامة كانت أم خاصة مثلما ورد صراحة في الفصل 65 (فقرة 3) م ت ب.

              9/امتياز المحامي
بيّن المشرع بمقتضى المرسوم عدد 79 لسنة 2011 المؤرخ في 20 أوت 2011 المتعلق بمهنة المحاماة الحقوق التي يتمتع بها المحامي إزاء حريفه ومنها حقه في خلاص أتعابه ومصاريفه. وضمانا لاستيفاء مستحقاته أقر الفصل 41 من المرسوم لفائدة المحامي امتيازا خاصا على المداخيل التي يتحصل عليها حريفه بموجب القضية التي نابه فيها. ويتدعم هذا الامتياز بحق الحبس الذي يمكن للمحامي إجراؤه على التقارير والوثائق التي أعدها في نطاق نيابته إلى أن يستوفي المبالغ المستحقة. كما يمكنه حبس الوثائق والمحررات الراجعة لحريفه إذا رأى في ذلك ضمانا له وذلك بموجب إذن قضائي يستصدره من رئيس المحكمة الابتدائية المختصة.

الفرع الثاني: الامتياز الخاص على عقار

تتمثل أهم الامتيازات الخاصة على عقار فيما يلي:

1/ امتياز المتقاسم
في صورة وفاة المورث، تنتقل مكاسبه إلى ورثته فتصبح ملكية مشتركة أو مشاعة بينهم. وللخروج من حالة الشيوع يمكن قسمة التركة بينهم. ذلك أن القسمة هي سبب من أسباب انتهاء الملكية الشائعة، بما أنها تمكن كل شريك من أن يختص بجزء مفرز من المال الشائع يتناسب مع حصته فيه ليصبح مالكاً له على وجه الاستئثار والانفراد. وتكون القسمة في مادة التركات، أي في الشيوع الإرثي، قسمة عينية لا قيمية (الفصل 131 م ح ع). والأصل في القسمة العينية أن يُعطى كل شريك كامل نصيبه عيناً، فإذا تعذّر ذلك، يقع تعويض الشريك الذي حصل على أقل من نصيبه عيناً بمبلغ من النقود يدفعه له مَنْ حصل من الشركاء على حصّة عينية أكثر من نصيبه. ويسمى هذا المبلغ معدل أو راتب القسمة. ولضمان استخلاص هذا المبلغ، أقر المشرع لصاحبه امتيازا يتسلّط على العقار الذي آلت ملكيته إلى الوارث عن طريق القسمة وذلك تطبيقا للفصل 200 (ثالثا) م ح ع.

2/ امتياز الخزينة العامة 
جاء هذا الامتياز بموجب الفصل 34 م م ع الذي سبق التعرض إليه في باب الامتيازات الخاصة على منقول. لكن هذا النص يقر، في الآن نفسه، لفائدة الخزينة العامة امتيازا خاصا على عقارات المطالبين بالأداء ضمانا لخلاص الديون الجبائية من ضرائب ومعاليم الموظفة على هذه العقارات. ويتسلط الامتياز على هذه المكاسب العقارية ذاتها وعلى ثمارها ومداخيلها. وكما هو الحال بالنسبة إلى الامتياز الخاص على منقول، يمكن لإدارة الجباية ممارسة الامتياز العقاري لا فقط ضد المدين الأصلي بل إزاء أي شخص آخر حائز للثمار المذكورة وللمداخيل باعتباره متضامنا معه. ويحتل هذا الامتياز الدرجة الأولى ويسبق التأمينات العينية التي يتمتع بها دائنون آخرون حتى ولو كانت سابقة له.

3/ امتياز التسجيل العقاري في المناطق التي تقتضي اعداد مثال التهيئة العمرانية 
اقتضى الفصل 24 من مجلة التهيئة الترابية والتعمير أنه يجوز للوالي أو لرئيس البلدية، حسب الحال، وللوزير المكلف بالتعمير، في جميع الحالات، أن يطلب تسجيل الأراضي غير المبنية وغير المسجلة الكائنة داخل المناطق المعينة بالقرار المشار إليه بالفصل 14 من هذه المجلة وذلك بعد إعلام مالكيها، مضيفا أنه: "يتحمل طالب التسجيل، سواء كان الدولة أو الجماعة العمومية المحلية المعنية، المصاريف الناتجة عن عملية التسجيل المنصوص عليها في حكم التسجيل والتي يقع إدراجها بالسجل العقاري كدين ممتاز لفائدته".
 ويفهم من هذا النص أن الدولة ومن في حكمها، لها الحق في أن تسعى إلى التسجيل الجبري للعقارات غير المسجلة الكائنة في منطقة يشملها مثال التهيئة العمرانية. وتكون مصاريف التسجيل التي تم تسبيقها من خزينة الدولة قصد اجراء عملية التسجيل، موثقة بامتياز لفائدة الجهة التي بذلتها يقع على العقار المسجل.

4/ امتياز العقارات التابعة للرسوم المحيّنة
يقترب هذا الامتياز من سابقه باعتبار أنه ممنوح كذلك للدولة في إطار الأعمال التي تقوم بها هياكلها تفعيلا للإشهار العقاري. وفعلا، فقد أسند المشرع بمقتضى القانون عدد 34 المؤرخ في 10 أفريل 2001 إلى المحكمة العقارية مهمة تحيين الرسوم العقارية المجمدة. وجاء بالفصل 11 من هذا القانون أنه يجوز لإدارة الملكية العقارية بصفة استثنائية وبمناسبة نظرها في طلبات الترسيم أو التشطيب المقدمة لها أن تطلب من رئيس المحكمة العقارية إحالة رسم عقاري على نظر الدائرة المختصة إذا اتضح أن حالته الاستحقاقية أصبحت غير ثابتة بسبب حالة الشيوع اللامتناهية أو عدم التنصيص على المنابات الاستحقاقية الأصلية أو تجاوز المستحقين لتلك المنابات أو غير ذلك من الأسباب الموجبة لتخليص الرسم العقاري من الجمود. والمفروض عملا بالفصل 20 من القانون ذاته أن تكون المصاريف الناتجة عن التحيين محمولة على آخر مستفيد من إجراء العملية. إلا أنه استثناء من هذا النص، أقر الفصل 21 أن الدولة يمكنها أن تسبّق المصاريف الناتجة عن الإجراءات المأذون بها طبق الفصل 11 ويتم إدراجها بموجب الحكم كدين ممتاز بالرسم العقاري. أي أنه في صورة قيام الدولة بتسبقة المصاريف الضرورية لتخليص العقار من الجمود، فلها أن تتولى استخلاصها من المدين بها بموجب امتياز خاص مسلط على العقار موضوع الرسم العقاري المحيّن.

mercredi 15 avril 2020

انتقال وانقضاء الرهن العقاري


العنوان الثالث: انتقال الرهن العقاري

سبق أن رأينا في إطار المقدمة، أن الرهن العقاري كغيره من التأمينات يتميز بصبغته التبعية التي تعني فيما تعنيه أن الرهن يرتبط بالدين المضمون في وجوده ومصيره. وتستفاد هذه الخاصية من تعريف الرهن ذاته في الفصل 201 م ح ع بأنه "عقد يخصص بموجبه المدين أو من يقوم مقامه شيئا...لضمان الوفاء بالتزام..". ومن نتائجها، أنه إذا انتقل الدين المضمون من ذمة إلى أخرى، فإن الرهن ينتقل معه بالتبعية. وتختلف صورة الانتقال التبعي (الباب الأول) عن الانتقال الأصلي أو المستقل للرهن (الباب الثاني). ومن أوجه الاختلاف بين هذين الصنفين أن الأول جائز بصريح النصوص العديدة التي كرّسته بينما يبدو الثاني قابلا للنقاش.

              الباب الأول: الانتقال التبعي للرهن
أجاز المشرع انتقال الرهن بالتبعية لانتقال الدين في عدة حالات يمكن حوصلتها في وجهين: إما بموجب الاتفاق (أ) أو بقوة القانون(ب).

أ - بموجب الاتفاق
أقر المشرع الانتقال التبعي للرهن بموجب الاتفاق في نصوص متفرقة، أولها الفصل 210 م ا ع الذي اقتضى أن: " إحالة الدين تشمل توابعه المتممة لذاته كالامتيازات إلا ما كان منها خاصا بذات المحيل ولا تشمل الرهن والضمان إلا بالنص الصريح وتشمل ما كان للمحيل من القيام بالبطلان والفسخ والفوائض التي حل أجلها ولم تُؤدّ تعد من مشمولاتها ما لم يكن هناك نص أو عادة تقتضي خلاف ذلك. ". ويفهم من هذا الفصل أن إحالة الدين من دائن إلى دائن آخر تفضي مبدئيا إلى انتقال توابع الدين وملحقاته بصفة آلية. وتدخل في ذلك الامتيازات ودعاوى الفسخ والبطلان وفوائض الدين المستحقة. أما إذا كان الدين المحال موثقا برهن، فإن انتقال الرهن لا يتحقق آليا وإنما باتفاق صريح بين المحيل (الدائن المرتهن) والمحال له (الدائن الجديد). وبمقتضى هذا الاتفاق يصبح من حق المحال له مطالبة المدين بأداء الدين مزودا بالرهن الضامن له.

ونفس هذه الأحكام تنطبق إذا كان انتقال الدين عن طريق الحوالة وذلك بمقتضى الفصل 237 م ا ع الذي أحال إلى نصوص إحالة الدين بقوله: "القواعد المقررة بالفصول ....210 يجري حكمها على الحوالة".
كما ينتقل الرهن اتفاقيا تبعا لانتقال الدين بموجب الحلول الشخصي، وذلك تطبيقا للفصل 224 م ا ع الذي تضمن أنه: " يتم الحلول المذكور بعقد متى قبض الدائن دينه من الغير واحله محله فيما له على المدين من الحقوق والمطالبات والامتيازات والرهون العقارية ويجب أن تكون الإحالة صريحة حين قبض الدين".

 ويستدعي فهم هذا النص التذكير بمعنى الحلول الشخصي وهو العملية القانونية التي تفضي إلى استبدال دائن سابق بدائن جديد بموجب أداء الدين. وتفترض هذه العملية ثلاثة أطراف دائن أصلي (طرف أول) ودائن جديد (طرف ثان) ومدين (طرف ثالث). ويتحقق الحلول إذا تولى الطرف الثاني (الدائن الجديد) خلاص الطرف الأول (الدائن الأصلي) في دينه المستحق إزاء الطرف الثالث (المدين)، فيحل الدائن الجديد محل الدائن الأصلي في جميع حقوقه إزاء المدين.

ويتضح بالرجوع إلى الفصل 223 م ا ع أن حلول الغير محل الدائن في حقوقه يتم تارة بناء على عقد وتارة بناء على نص قانوني.

ويعتبر الفصل 224 م ا ع صورة من صور الحلول التعاقدي الذي يحصل بموجب اتفاق يلتزم فيه الدائن الأصلي نحو الدائن الجديد بأن يحلّه في حقوقه نحو المدين بمجرد خلاصه في دينه. وإذا كان الدين موثقا برهن عقاري، فيمكن أن ينتقل هذا الرهن تبعيا إلى الدائن الجديد إذا اتفق الطرفان صراحة على ذلك.
ولا تفوت الإشارة في هذا السياق إلى أنه إذا تعلقت الإحالة أو الحوالة أو الحلول بدين موثق برهن على عقار مسجل، فلا بد من إشهار هذه العمليات بالرسم العقاري حتى يمكن للدائن الجديد أن يحتج بحقه إزاء الغير بمن فيهم المدين وذلك تطبيقا للفصل 374 م ح ع الذي صرّح بأنه "يجب التنصيص على نقل الرهن العقاري الواقع بطريقة الحلول أو بغيرها من الطرق بالرسم العقاري. ويخول هذا التنصيص للمحال له أو لمن حلّ محلّ غيره حق التصرّف في الترسيم ورفع اليد عنه. وإذا لم يقع التنصيص فإنّ الحلول أو التشطيب الصادر عن الدائن المرسّم يمكن أن يعارض به الـدائن الذي انتقل إليه الدين الموثّق".

 كما لا يجب أن يغيب عن الذهن أن انتقال الحقوق عن طريق العمليات الثلاثية على النحو المذكور، يخضع في نظامه إلى الأحكام العامة المقررة في الكتاب الأول من مجلة الالتزامات والعقود وتدخل في مادة أحكام الالتزام. ولذلك لن نتوسع فيها.

ب - بموجب القانون
ينتقل الرهن تبعيا بمقتضى القانون دون حاجة إلى وجود اتفاق بين الأطراف في وضعيات متنوعة منها ما يتحقق في إطار الخلافة العامة ومنها ما يقع في إطار الخلافة الخاصة.

              <أما الخلافة العامة، فالمقصود بها هي الصورة التي ينتقل فيها الرهن من المورث (السلف) إلى الوارث (الخلف). ذلك أن الميراث يعتبر سببا من أسباب اكتساب الملكية عملا بالفصل 22 م ح ع. فإذا توفي الدائن المرتهن، تنتقل جميع حقوقه المالية إلى ورثته بما فيها الدين المضمون بالرهن. ويحصل هذا الانتقال آليا فور وفاة المورث. وبموجبه يحق للورثة مطالبة مدين مورثهم بأن يؤدي لهم الدين مزودين إزاءه بالرهن العقاري.

              <وأما انتقال الرهن في نطاق الخلافة الخاصة، فيشمل كل الحالات التي يتحول فيها التأمين العيني من الدائن السابق (السلف) إلى الدائن الجديد (الخلف الخاص) بإرادة القانون وفي غياب أي اتفاق بين الأطراف.

وأول مثال على ذلك نجده في الفصل 12 من القانون عدد 4 المؤرخ في 2 فيفري 1998 والمتعلق بشركات استخلاص الديون حيث ورد أنه: " ينجر عن إحالة الدين لفائدة شركات استخلاص الديون وجوبا انتقال ديون المحيل بتوابعها المتممة لذاتها ورهونها وضماناتها. ويجب ترسيم الإحالة بالسجل العقاري إذا تعلقت الرهون أو الضمانات بعقار مسجل ".

أما المثال الثاني، فيستمد من صريح الفصل 226 م ا ع الذي نص على أنه: " يتمّ الحلول قانونا في الصور الآتية:

 أولا -للدائن سواء كان له رهن أو كان دينه بخط اليد فقط إذا أدى مال دائن آخر مقدم عليه بسبب امتيازاته ورهونه ولو كان متأخرا عليه في التاريخ.

ثانيا-كذلك لمشتري العقار إلى حد ثمن مشتراه إذا دفع هذا الثمن في خلاص أصحاب دين كان العقار مرهونا تحت يدهم.

ثالثا-لمن أدى دينا كان مشتركا فيه مع المدين أو مطلوبا به في حقه على أنه مدين متضامن معه أو كفيل عنه أو معه أو وكيل بالعمولة.

رابعا-في حق من أوفى بالدين لمصلحة له ولو لم يكن مطلوبا به كمن أعطى رهنا في دين غيره".

 ويستدعي هذا النص توضيح وضعيات الحلول القانوني التي عددها، حالة بحالة حتى يسهل استيعابها:

              3أما الوضعية الأولى، فتفترض وجود دائن يحتل رتبة متفوقة على غيره من الدائنين باعتبار أنه يتمتع بتأمين عيني سواء أكان رهنا عقاريا أم غيره. فيكون من مصلحة الدائن الذي يليه في الرتبة أن يتولى خلاصه في المبالغ المستحقة نحو المدين ليحل محله في حقوقه إزاءه مزودا بالتأمين العيني الذي يتمتع به. ولمزيد فهم المزايا التي يحققها هذا الحلول لنفترض أن المدين له دائنان: دائن مرتهن تبلغ قيمة دينه 100 ألف دينار ودائن عادي يبلغ دينه نفس القيمة وأن قيمة العقار المرهون هي 200 ألف دينار، لكن المدين فوت فيه للغير ولم يعد له مكاسب أخرى قابلة للتنفيذ عليها. في هذه الصورة يكون من مصلحة الدائن العادي أن يتولى خلاص الدائن المرتهن في دينه. وبذلك يحل محله بقوة القانون في حقوقه الناتجة عن الرهن ومن بينها حق التتبع الذي يخول له التنفيذ على العقار المرهون بين يدي واضع اليد واستخلاص قيمة الدينين الأول والثاني من ثمن العقار.

3وأما الوضعية الثانية، فتتعلق بفرضية بيع العقار المرهون لفائدة الغير مثقلا بعدة رهون. فإذا أراد المشتري تخليص العقار من هذه الرهون تفاديا لعقلته وبيعه من قبل الدائنين المرتهنين، يجوز له أن يتولى دفع ثمن العقار لهم مباشرة. وهنا يقوم احتمالان:

- إما أن يكون الثمن كافيا للوفاء بكامل الديون. فتنقضي الرهون في هذه الحال تبعا لانقضاء الديون المضمونة بها.

- وإما ألا يكون الثمن كافيا. وعندئذ يحل المشتري محل الدائنين المتقدمين في الرتبة الذين استوفوا ديونهم. وهذا ما يجعله منطقيا في مأمن من خطر التنفيذ على العقار المرهون باعتبار أنه حتى لو وقع بيعه فسوف يكون المشتري مقدما على الدائنين الموالين له في الرتبة.

3وتتصل الوضعية الثالثة بصورة من أدى دينا كان مطلوبا بإدائه مع غيره أو في حق غيره. وأبرز مثال على ذلك سبق التعرض إليه في درس الكفالة ويتعلق بدعوى الرجوع التي يتمتع بها الكفيل ضد المدين الأصلي بعد الوفاء بالدين. فإذا اضطر الكفيل إلى أداء الدين المتخلد في ذمة المدين يحق له الرجوع عليه لمطالبته بأن يسدد له ما دفعه في حقه. وعندئذ له خياران: إما القيام على أساس دعوى الرجوع الشخصي عملا بالفصل 1505 م ا ع الذي اقتضى أنه: "إذا أدى الكفيل الدين أداءً صحيحا يترتب عليه سقوط الدين فله أن يرجع على المدين بقدر ما أداه ". وإما القيام عليه بموجب دعوى الحلول الشخصي تطبيقا للفصل 1509 الذي تضمن أنه: "إذا أدى الكفيل الدين أداء صحيحا حلّ محلّ الدائن في جميع ما له على المدين من الحقوق والامتيازات بقدر ما أدّاه وعلى بقية الكفلاء بقدر مناب كل منهم". وغني عن التذكير بأن دعوى الحلول بهذا المعنى ما هي إلا تطبيق أمين للفصل 226 (ثالث) م ا ع.

3 كما تتعلق الوضعية الرابعة والأخيرة بحالة شبيهة للسابقة هي حالة الكفيل العيني الذي يرهن أحد مكاسبه سواء أكان عقارا أم منقولا ضمانا لدين غيره. فهو كالكفيل الشخصي، تنتقل إليه حقوق الدائن الأصلي إزاء المدين بموجب الحلول متى تولى سداد الدين. فإذا كان هذا الدين موثقا برهن آخر غير الرهن الصادر عن الكفيل العيني، أمكن له أن يتزود به في مواجهة الراهن سعيا لاستخلاص دينه.

ولئن كان انتقال الرهن يقع في جميع ما تقدم من الصور تبعا لانتقال الدين المضمون، فإنه يحق التساؤل عما إذا كان جائزا أن ينتقل الرهن بصفة أصلية.

              الباب الثاني: الانتقال الأصلي للرهن
يبدو انتقال الرهن بشكل مستقل عن الدين أمرا غير مقبول في قانوننا عملا بصريح الفصل 210 م ا ع الذي نصّ في فقرته الأخيرة على أن: "الضمان أو التوثقة لا تحال بغير الالتزام". مما يعني بقراءة عكسية أن الرهن لا ينتقل من الدائن إلى الغير إلا مع الدين المضمون.  

ومع ذلك فإن هذا المنع لا يؤخذ على إطلاقه لوجود صورتين استثنائيتين ينتقل فيهما الرهن مستقلا عن الدين تارة كليا وتارة جزئيا:

3أما صورة الانتقال الكلي، فهي مستمدة من الفصل 225 م ا ع الذي تضمن صراحة أن: " الحلول المذكور بالعقد يتم أيضا إذا اقترض المدين ما عليه من شخص لأداء دينه وأحاله على ما لدائنه من الضمانات في ذلك الدين"، مؤكدا أن هذا الحلول يتم ولو بغير رضاء الدائن. ويؤكد هذا النص أن المدين الذي يرغب في خلاص دينه عن طريق مبلغ يقترضه من شخص آخر، يحق له بعد الأداء أن يحيل إلى مقرضه (الدائن الجديد) الضمانات التي كان يتمتع بها الدائن الأصلي بما فيها الرهن. ويتحقق انتقال الرهن في هذه الصورة من الدائن الأصلي إلى الدائن الجديد بشكل مستقل بما أن الوفاء بالدين الأصلي يؤدي إلى انقضائه.

3وأما الانتقال الجزئي فيتحقق عندما يتنازل الدائن لفائدة دائن آخر لا عن رهنه وإنما عن أفضليته. والمقصود تحديدا هنا هي صورة إحالة رتبة الرهن، أي الاتفاق المتضمن قيام الدائن المرتهن الذي يحتل رتبة أعلى بالتخلي عن موقعه المفضل إلى دائن مرتهن آخر يليه في الرتبة. وهذه العملية تحصل كثيرا في التطبيق وخاصة في المعاملات البنكية لبواعث وأسباب مختلفة. وقد تكون بعوض أو بدونه. وهي جائزة وصحيحة لأن أفضلية الدائن هي حق لا شيء يمنعه قانونا من التنازل عنه لفائدة شخص آخر. ويعزّز ذلك أن الفصل 291 م ح ع يورد من بين أسباب انقضاء الرهون تنازل الدائن عنها. ومنطقيا، يمكن أن يكون هذا التنازل شاملا لكامل الرهن أو مقتصرا على عنصر من عناصره وهو الرتبة. وغني عن التذكير بقاعدة أن من أمكنه الأكثر أمكنه الأقل.

لكن إحالة الرتبة وإن كانت صحيحة، لا يجوز أن تكون تعسفية أو مؤدية إلى الإضرار بحقوق الغير وخاصة الدائن الذي يحتل مرتبة وسطى. فمثلا إذا كان العقار المرهون قيمته 200 وهناك ثلاثة دائنين مرتبين على النحو التالي:
1-     صالح بدين قيمته 100
2-     علي بدين قيمته 100
3-     عماد بدين قيمته200
فإن صالح إذا أحال رتبته إلى عماد، لا يجوز للمحال له أن يستفيد من مرتبة المحيل إلا في حدود دينه، أي 100 وليس 200. والقول بخلاف ذلك يؤدي حتما إلى النيل من حقوق علي لأنه سيحرمه من استخلاص جزء من دينه (100)، وهذا غير جائز.

ويبقى لنا الآن أن ننتقل إلى المسألة الأخيرة وهي انقضاء الرهن.

العنوان الرابع: انقضاء الرهن العقاري

يعدد المشرع أسباب انقضاء الرهن العقاري في الفصل 291 م ح ع وهي ثلاثة: انقضاء الالتزام الأصلي، أي الدين المضمون (1) أو تنازل الدائن عن الرهن (2) أو تطهير العقار المرهون من قبل من انتقلت إليه ملكيته(3).

              aفي الصورة الأولى، يؤدي انقضاء الدين بأي سبب من الأسباب إلى زوال الرهن بالتبعية. وأسباب الانقضاء كما عددها الفصل 339 م ا ع هي: الوفاء بالالتزام والإبراء الاختياري والتجديد أي استبدال الدين بغيره والمقاصة واختلاط الذمة والإقالة الاختيارية. أما التقادم المسقط فلا يسري على الدين الموثق برهن تطبيقا للفصل 390 م ا ع الذي اقتضى: " إذا كان للدين رهن منقول أو غير منقول فإن القيام به لا يسقط بمرور الزمن".  

        aأما إذا انقضى الرهن بتنازل الدائن عنه، فإن زوال الرهن يحصل هنا بصفة أصلية دون أن يترتب عنه انقضاء الدين.  ويمكن أن هذا التنازل مقابل حصول الدائن على ضمان عيني أو شخصي معوّض للرهن المتنازل عنه، أو بلا مقابل فيتحول الدين المفضل إلى دين عادي.

              aوأما التطهير فالمقصود به هو الحق الذي خوله القانون لمن انتقلت إليه ملكية العقار المرهون (واضع اليد) في أن يعرض على الدائنين المرسمين إداء الدين في حدود ثمن العقار المرهون أو قيمته وذلك تجنبا للتنفيذ عليه من قبلهم عن طريق ممارستهم لحق التتبع. مع التنبيه إلى أن التطهير بهذا المعنى يجب تمييزه عن المفعول التطهيري لحكم التسجيل العقاري وعن التطهير بموجب أمر الانتزاع من أجل المصلحة العامة أو أيضا بمقتضى حكم التبتيت العقاري عملا بالفصل 481 م م م ت وغير ذلك من الحالات المشابهة.

على أن القائمة التي جاء بها الفصل 291 م ح ع تبدو منقوصة، ويتحتم إتمامها بوسائل أخرى تؤدي إلى نفس النتيجة (أي انقضاء الرهن) وهي: هلاك العقار المرهون، واجتماع حق الرهن وحق الملكية في شخص واحد وانقضاء أجل الرهن وتحقق الشرط المعلق عليه فسخ الرهن وإحالة الدين دون الرهن وعدم بلوغ مرتبة صالحة للمحاصصة وعدم احترام الآجال التي يشترطها القانون للدخول في عملية التوزيع.

وبالرغم من إمكانية اعتراض البعض على التوسع في قائمة حالات انقضاء الرهن بناء على الطابع الحصري للفصل 291 م ح ع والصبغة الاستثنائية لمادة التأمينات العينية، إلا أن هذا التوسع جائز في نظرنا قياسا على الفصل 264 م ح ع واعتمادا على الشريعة العامة للالتزامات.

فإذا تحقق أحد أسباب الانقضاء على النحو المتقدم، فإن الرهن يزول ويقع التشطيب عليه بالتنصيص في رسم الملكية بما يفيد أن الرهن قد انقضى وبإن إشهاره لم يعد له أي قيمة قانونية.

وبالرجوع إلى الفصل 290 م ح ع، فإنه: "يقع التشطيب على الرهون بتقديم كتب ممضى من الدائن في رفع اليد أو بحكم أحرز علـى قـوة مـا اتصل به القضاء". وعليه فإن التشطيب يتمّ بطريقتين: إما بصفة إرادية أو بحكم قضائي.

              aالتشطيب الإرادي يؤذن به بناء على تقديم كتب في رفع اليد ممضى من الدائن. ولا تشترط لصحة هذا الكتب أية شكلية خاصة كوجوب تحريره بالبلاد التونسية، إذ لا يشمله الفصل 274 م ح ع، أو خضوعه للتحرير الوجوبي على معنى الفصل 377 مكرر جديد م ح ع، إذ هو مستثنى منه صراحة. وعلى العكس من ذلك فإذا تعلق الأمر بعقار مسجل، يكون كتب رفع اليد خاضعا كبقية الصكوك المقدمة للترسيم لجملة البيانات الواجبة في ذلك كمراعاة الفصل 377 م ح ع و 394 م ح ع ....كما يخضع لبقية المبادئ التي يقوم عليها الترسيم في العقارات المسجلة وذلك على اعتبار أن التشطيب ما هو في الحقيقة إلا ترسيم معاكس للحق المرسم الذي انقضى.

ولا تفوت الملاحظة في هذا المقام إلى عدم الحاجة إلى كتب رفع اليد في الرهون القانونية حيث يقع التشطيب عليها تلقائيا من طرف حافظ الملكية العقارية.

              aوأما التشطيب القضائي فينتج عن تقديم حكم مصرح بانقضاء الرهن. ويشترط في هذا الحكم أن يكون محرزا على قوة ما اتصل به القضاء، أي أنه لم يكن أو لم يعد قابلا للطعن فيه بإحدى الوسائل المعطلة للتنفيذ وفقا للفصل 286 م م م ت. وبناء على هذا الحكم يقع إزالة التنصيص على الرهن سواء من سند ملكيته بواسطة عدلين أو من الرسم العقاري عن طريق حافظ الملكية العقارية.