dimanche 25 octobre 2020

نظرية الحق

ب – أحكام الاسم:

خلافا للقب العائلي الذي يسند وجوبا الى الطفل المولود باعتبار نسبه الى والده، فان اسناد الاسم هو مسألة متروكة لحرية الاختيار. ويقع اختيار الاسم من افراد العائلة (الاب او الام او الاثنين معا او غيرهما...). واذا رغب الوالدان، يمكن لهما ان يطلقا على مولودهما اسما مركبا (محمد الهادي، محمد أمين،...). وهذا دارج في عاداتنا وأيّده المشرع في الفصل الأول من قانون 26 ماي 1959 بقوله : "ينبغي على كل مواطن تونسي ان يكون له زيادة على اسمه أو أسمائه، لقب عائلي". ولم يضع المشرع في هذا القانون ولا في أي نص آخر قائمة محددة في الأسماء التي يمكن اطلاقها على الأبناء. لكن المنشور الصادر في 12 ديسمبر 1965 تحت عدد85 عن كاتبي الدولة للعدل والداخلية تضمن جملة من الضوابط الواجب احترامها، اذ جاء به: "يحجر اسناد الأسماء غير العربية للمواليد. كما يحجر اسناد اللقب كاسم او ان تسند الى المواليد القاب الزعماء او أسماؤهم او القابهم في آن واحد. ويجر أيضا اختيار أسماء مستهجنة او منافية للأخلاق او محل التباس".

 ويمارس ضابط الحالة المدنية الذي يتلقى التصريح بالولادة نوعا من الرقابة على الأسماء المختارة. ويجوز له رفض ترسيم اسم ما بدفتر الحالة المدنية اذا كان مخالفا للضوابط التي جاء بها منشور 12 ديسمبر 1965. غير أن المشرع لم يبين بصراحة كيفية التظلم من قرار الرفض وما هي الوسائل القانونية او الطعون المتاحة للآباء الذين يصرون على التمسك بالاسم المختار من قبلهم. وهو ما يفتح المجال، نظريا على الأقل، للجوء الى الاحكام الإجرائية العامة المتعلقة بالتظلم ضد الإدارة امام المحكمة الإدارية.

لكن يلاحظ في التطبيق ان المعنيين بالأمر غالبا ما يعمدون الى التوجه الى المحكمة الابتدائية (دائرة الأحوال الشخصية) بعد مضي اجل العشرة الأيام المقرر للتصريح بالولادة امام ضابط الحالة المدنية، ثم يطلبون ترسيم الاسم قضائيا. وغالبا ما تستجيب المحكمة لطلبهم إذا لم تكن فيه مخالفة كبيرة لمنشور 12 ديسمبر 1965. على ان المطلع على فقه القضاء الفرنسي، يجده زاخرا بالأحكام القضائية التي نظرت في الخلافات الناتجة عن رفض ترسيم اسم من قبل مسؤول الحالة المدنية. ومثال ذلك القرار التعقيبي الصادر بتاريخ 17 جويلية 1984 الذي لم يؤيد موقف الابوين الذين ارادا ان يطلقا على مولودهما اسم المكان الذي التقيا فيه لأول مرة. ونفس الموقف اتخذته محكمة التعقيب الفرنسية من الابوين الذين اختارا لمولودهما عنوان الاغنية التي رقصا عليها. كما رفضت ذات المحكمة إطلاق اسم أحد أبطال الصور المتحركة «Titeuf» الذي وقع عليه اختيار الابوين لتعارض ذلك مع مصلحة الطفل. وفي المقابل، رأت محكمة التعقيب الفرنسية في قضية أخرى انه لا مانع من اطلاق اسم "ميقان Megane" على طفل لقبه العائلي "رينو Renaud".

وتجدر الإشارة إلى ان التصريح بالأسماء أمام ضباط الحالة المدنية كان في السنوات الأخيرة مصدرا لعديد الصعوبات والاشكاليات في بلادنا، زادتها تأججا منظمات وجمعيات المجتمع المدني المنادية باحترام حرية الآباء في اختيار أسماء أبنائهم ورفع الحواجز القانونية عليها. ويبدو ان هذه المعطيات كانت من العوامل الأساسية التي أدت الى الغاء منشور 12 ديسمبر 1965 مؤخرا. وفعلا فقد صدر عن وزير الشؤون المحلية بتاريخ 15 جويلية 2020 منشور تحت عدد 13 تقرر بمقتضاه انهاء العمل بمنشور 1965. وعللت السلطة التنفيذية موقفها بأن التحجيرات والموانع المقررة بمقتضى النص الملغى "تعتبر نوعا من التقييد على حرية اختيار الوالدين لأسماء المواليد الجدد عند ترسيمهم بدفاتر الولادات"، مضيفة ان تطور الإطار القانوني للحريات في تونس بعد صدور دستور 27 جانفي 2014 ومصادقة بلادنا على عدة مواثيق دولية لها علاقة بالحريات وحقوق الطفل، يفرض عدم المساس بحرية الإباء في اسناد اسم لأبنائهم.

غير ان صدور هذا المنشور لا يمنع من التساؤل عن مدى الحرية المتاحة في اختيار الأسماء؟ فهل يؤدي الغاء التحجيرات التي كانت موجودة بمقتضى منشور 12 ديسمبر 1965 الى إطلاق يد الآباء في اسناد اسم لأبنائهم دون قيود؟ وهل الحرية تعني إمكانية تغيير الاسم لاحقا؟ واذا كان الجواب بالنفي، فما هو أساس ذلك؟

 فيما يعلق بحرية اسناد الاسم، يجب الإقرار بانها لا يجب ان تصبح مطلقة، اذ لا يجوز حتى بعد الغاء منشور 1965 السماح للآباء باطلاق أسماء يمكن ان تكون محل التباس او سخرية. كما يجب التنبيه الى ان استعمال حق اختيار الاسم من قبل الإباء يجب ان يكون دون افراط حفاظا على مصلحة الطفل. وهو ما يستنتج من صريح الفصل 4 من مجلة حماية الطفل الذي جاء به :"يجب اعتبار مصلحة الطفل الفضلى في جميع الإجراءات التي تتخذ في شأنه سواء من قبل المحاكم او السلط الإدارية..." ويراعى في ذلك "حاجيات الطفل الأدبية والعاطفية...".

 وأما فيما يتعلق بمدى إمكانية استبدال الاسم بآخر، فالجواب هو المنع، اذ ان المبدأ هو عدم قابلية الاسم للتغيير الّلهم الا في حالات استثنائية تعرض لها المشرع في بعض القوانين المتفرقة منها خاصة قانون 28 ماي 1964 المتعلق بالسماح لبعض التونسيين بتغيير اللقب او الاسم  الذي تضمن في فصله الثاني ما يلي: "يمكن لكل تونسي ليس له اسم عربي او مغربي ان يطلب الاذن بابدال اسمه بأمر ان كانت له مصلحة شرعية تبرر ذلك" . كما خوّل الفصل 14 من القانون عدد 27 لسنة 1958 المؤرخ في 4 مارس 1958 المتعلق بالولاية العمومية والكفالة والتبني للمتبنيِ ان يطلب تغيير اسم الطفل المتبنَّى وينص على ذلك بحكم التبني.

وفيما عدى مثل هذه الوضعيات التي يقررها المشرع بنص صريح،  لا يجوز لأحد استبدال اسمه باسم آخر تفاديا للتلاعب بالهويات او الاخلال بالأمن العام.

ويبقى الآن ان نتعرض الى العناصر الأخرى للهوية.


الفقرة الثانية: العناصر الأخرى للهوية :

لا يكفي الاسم واللقب لتحديد هوية الشخص بل يجب ان تنضاف معطيات أخرى تضمن تفرّده، تتعلق خاصة بجنسيته (أ) ومقره (ب) وجنسه (ج).

أ – جنسية الشخص:

يمكن تعريف الجنسية عموما بأنها رابطة قانونية قائمة بين الفرد والدولة يصبح بموجبها مواطنا من مواطنيها له كل الحقوق التي تقرها هذه الدولة وعليه كل الواجبات التي تفرضها.

وتعتبر الجنسية حقا أساسيا من الحقوق الذاتية وتمنع الدساتير والمواثيق الدولية حرمان الشخص من جنسيته او منعه من الحصول على جنسية أخرى. كما تعدّ إحدى المكونات الأساسية لهوية الشخص لأنها تثبت انتماءه إلى الدولة التي يتبعها دون غيرها من الدول التي ليست له جنسيتها.

ويخضع تنظيم الجنسية في بلادنا الى مجلة الجنسية الصادرة بموجب المرسوم عدد 6 لسنة 1963 المؤرخ في 28 فيفري 1963 المتعلق بإعادة تنظيم مجلة الجنسية. ويتضح بقراءة هذه المجلة ان الجنسية التونسية يمكن ان تسند اما بصورة أصلية او بفضل القانون.

- أما بصورة أصلية، فتسند الجنسية للطفل المولود لأب تونسي او المولود بتونس من أمّ تونسية واب أجنبي او مجهول او لا جنسية له او كذلك أب  مجهول الجنسية بشرط ان لا يكون الطفل قد بلغ سن الرشد في تاريخ اجراء العمل بالمجلة. كما تسند الجنسية بصفة اصلية لمن ولد بتونس من اب وجد للأب مولودين بها بشرط ان يكون راشد عند دخول المجلة حيز النفاذ.

- وأما بفضل القانون، فيمكن الحصول على الجنسية من الطفل المولود بالخارج من أمّ تونسية وأب أجنبي إذا كان دون سن الرشد. وكذلك من المرأة الأجنبية المتزوجة بتونسي بشرط ان تكون مقيمة مع زوجها بتونس منذ ما لا يقل عن عامين. كما يمكن ان يتحصل على الجنسية التونسية الأجنبي المقيم بتونس منذ أكثر من خمس سنوات.

ب - مقر الشخص:

لكل شخص عادة مقرّ يقطن فيه ويتواجد به. ويخضع تحديد المقر لمشيئة الأفراد عملا بصريح الفصل 24 من الدستور في فقرته الثانية حيث ورد:" لكلّ مواطن الحرية في اختيار مقرّ إقامته". ويساعد تحديد مكان وجود الشخص في معرفته وتمييزه عن غيره من الأشخاص المتواجدين في مقرات أخرى مغايرة.

ويحتل المقر قيمة بالغة في القانون من عدة أوجه: فهو من جهة يسمح بتحديد المكان الذي يمارس فيه شخص حقوقه، كحق الانتخاب مثلا الذي يمارسه الناخب في الجهة التي يقطن فيها . او الحق في الدراسة الذي يمارسه التلميذ في أقرب مدرسة او معهد لمحل اقامته. وهو من جهة أخرى يحدد الواجبات المفروضة على الأشخاص. كواجب دفع الاداءات البلدية الذي ينبغي القيام به لدى الجماعة المحلية (البلدية)التي يوجد بدائرتها مقر المطالب بالاداء. ويحدد كذلك صحة بعض التصرفات القانونية كتكوين الشركة حيث اقتضى الفصل 9 ضرورة التنصيص على مقر الشركة في عقدها التأسيسي. أو أيضا ميدان تطبيق القانون ومثال ذلك الفصل 10 من مجلة الشركات التجارية الذي اقتضى ان وجود المقر الاجتماعي في تونس يجعل الشركة خاضعة وجوبا للقانون الوطني.

 وتتأكد أهمية المقر أكثر في ميدان الإجراءات المدنية والتجارية، اذ على أساسه يمكن معرفة المحكمة التي يجب ان ترفع الدعوى امامها. وهي المحكمة التي يوجد بدائرتها مقر المطلوب عملا بالفصل 30 م م م ت. كما انه ضمانا لاحترام حق الدفاع، تفرض مجلة المرافعات المدنية والتجارية استدعاء المطلوب امام المحكمة لتقديم جوابه عن الدعوى وابداء ما له من اقوال ودفوعات لردها. ويجب توجيه الاستدعاء للمطلوب في مقره الأصلي او مقره المختار.

- اما المقر الأصلي للشخص فهو المكان الذي يقيم فيه عادة أي محل سكناه. ويمكن ان يعتبر المكان الذي يباشر فيه الشخص مهنته او تجارته مقرا أصليا له بالنسبة للمعاملات المتعلقة بالنشاط المذكور (الفصل 7 (فقرة أولى) م م م ت).

- وأما المقر المختار فهو المكان الذي يعينه الاتفاق او القانون لتنفيذ التزام او للقيام بعمل قضائي. ومثال المقر الاتفاقي او الارادي، المقر الذي يتم التنصيص عليه في العقد المبرم بين طرفيه لتقع فيه مخابرتهما أي لكي يخاطب فيه كل طرف الطرف الاخر او يبلغه أية وثيقة في العنوان الذي اختاره. أما في خصوص المقر المعين بموجب القانون فتمكن الإشارة مثلا الى الفصل 68 م م م ت الذي اقتضى ان : "انابة المحامي وجوبية لدى المحكمة الابتدائية الا في مادة الأحوال الشخصية . ومقر المحامي يعتبر مقرا مختارا لمنوبه في درجة التقاضي الذي هو نائب فيها".

ويلاحظ ان تبليغ المحاضر والاعلامات والاستدعاءات وغيرها من الوثائق الى المطلوب يبدو سهلا اذا كان معروف المقر. اما اذا كان مجهول المقر، وجب ان يكون التبليغ في أماكن أخرى نص عليها الفصل 10 م م م ت مفرّقا بين من كان له مقر معروف وبارحه (فرضية مجهول المقر) وبين من لا يعرف له أي مقر لا في السابق ولا في الحاضر (فرضية مجهول المقر مطلقا). ففي الحالة الأولى يجب ان تودع نسخة المحضر المراد تبليغه للمعين بالامر في ظرف مختوم لدى كتابة محكمة الناحية او عمدة المكان او مركز الامن الوطني او مركز الحرس الوطني لآخر مقر معروف له. في حين انه في الحالة الثانية يجب ان تعلّق نسخة من الاعلام بالمحكمة المتعهدة بالقضية ونسخة أخرى بمقر الولاية التي توجد بدائرتها المحكمة المذكورة.

ج -  جنس الشخص :

لا يوجد تعريف تشريعي لهذا العنصر من عناصر الهوية. ولكن العديد من الوثائق الرسمية كبطاقة التعريف الوطنية او جواز السفر تتضمن وجوبا الإشارة اليه الى جانب البيانات الأخرى التي تميز الشخص. ولعلّ من أهم الوثائق الرسمية التي يجب التنصيص فيها على الهوية الجنسية، رسوم الولادات التي يحررها ضابط الحالة المدنية تطبيقا للفصل 26 (فقرة اولى) من القانون عدد 3 لسنة 1957 المؤرخ في غرة اوت 1957 الذي اقتضى أنه:" ينصّ برسم الولادة على اليوم والساعة ومكان الولادة وجنس المولود...". ويقع هذا التنصيص إثر تلقي التصريح بالولادة الصادر عن الولي او غيره استنادا الى الشهادة الطبية المسلمة له. ويبيّن ضابط الحالة المدنية في الرسم ان كان المولود ذكرا او انثى.

والمفروض ان الانتماء الجنسي هو عنصر ثابت وقار لدى الشخص غير قابل للتغيير او التحوير. ومع ذلك يمكن ان تحصل في التطبيق وضعيات تفرض تدخل القضاء للنظر في مدى إمكانية ادخال تحويرات على عناصر الحالة المدنية للشخص بناء على وجود تغيير في جنسه. وقد أثار هذا التدخل سلسلتين من الصعوبات:

              1/ تتعلق الأولى بصورة الغلط المادي في رسم الحالة المدنية، اذ يمكن لضابط الحالة المدنية ان يرتكب بمناسبة تلقي التصريح بالولادة غلطا ماديا، فينص على ان المولود هو ذكر والحال انه أنثى أو انه انثى في حين انه ذكر. وهذا الغلط دارج في التطبيق. ولذلك أفرده المشرع بأحكام خاصة في القانون المنظم للحالة المدنية تبين كيفية إصلاحه. ويتحقق ذلك بموجب طلب يقدم الى رئيس المحكمة الابتدائية بالمنطقة التي حرر فيها الرسم (الفصلان 63 و64). وتصدر المحكمة قرارا بالإصلاح تأذن فيه بتغيير رسم الحالة المدنية. ومثال ذلك الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية ببن عروس تحت عدد 621 بتاريخ 28 مارس 1990 الذي قضى بتغيير اسم المعني بالامر من "أميرة" الى "أمير". وعللت المحكمة قرارها بان الاسم المسجل في الترسيم لا ينطبق على الجنسين وبأن مبدأ عدم قابلية الاسم للتغيير لا ينطبق الا في صورة طلب تغيير اسم بآخر من نفس الجنس دون وجود تغيير في الجنس. وليست هذه هي صورة الحال في الملف المعروض على نظرها.

              / اما النوع الثاني من الصعوبات، فيبرز في الصور التي يتعرض فيها بعض الأشخاص إلى تحولات فيزيولوجية تحدث تغيرات في مكوناتهم الجسدية وانتمائهم الجنسي اما بشكل طبيعي او إثر تدخل طبي. ويثير هذا التغيير المادي في صورة تحققه سؤالا قانونيا هاما يتعلق بمعرفة إن كان من الجائز للشخص المتغير جنسيا طلب تحوير عناصر حالته المدنية وتحديدا اسمه وجنسه؟

لقد طرح هذا الاشكال على القضاء في مناسبات عديدة. من ذلك القرار الصادر عن محكمة الاستئناف بتونس بتاريخ 22 ديسمبر 1993 تحت عدد 10298 الذي تمثلت وقائعه في قيام شخص يدعى "سامي" بقضية امام المحكمة الابتدائية بتونس مدعيا انه مع مرور الايام تغيرت بعض أعضائه بشكل طبيعي وصارت له خاصيات انثوية، مما اضطره الى اجراء عملية جراحية تحول بمقتضاها الى انثى مدليا بشهادة طبية واختبار طبي في الغرض. واستنادا على ذلك طلب من المحكمة الحكم لفائدته باعتباره انثى لا ذكرا والاذن له بحمل اسم "سامية" ولضابط الحالة المدنية بالتنصيص على ذلك بدفاتره. إلاّ أن المحكمة الابتدائية رفضت هذا الطلب وتأيّد موقفها في الاستئناف. وعللت محكمة الاستئناف رأيها بان تغيير الجنس اراديا واصطناعيا يتعارض مع مبادئ الفقه الاسلامي واحكامه ولا يعتبر من حالات الضرورة التي تبرر ذلك. ومن المتجه في مثل هذا الحالات اللجوء الى العلاجي النفساني لاسترجاع الشخص توازنه النفسي لا الاسراع في اجراء تغيير اصطناعي في جنسه. كما اضافت المحكمة ان القضاء لا يمنح الحقوق الا بقدر ما تكون متطابقة مع القانون والنظام العام. وهو ما لا يتوفر في صورة الحال. ولذلك قضت بتأييد المحكمة الابتدائية في حكمها القاضي برفض مطلب تغيير الحالة المدنية للمدعي.

غير ان هذا الموقف ليس محل اجماع لدى فقه القضاء. فقد سبق طرح الموضوع على المحكمة الابتدائية ببن عروس وقالت رأيها فيه بموجب الحكم الصادر عنها تحت عدد 621 بتاريخ 28 مارس 1990 حيث قبلت مطلب تغيير الحالة المدنية من انثى الى ذكر مرتكزة على تقرير الاختبار الطبي الذي اثبت ان المشكل المطروح يتعلق بشخص لم تكن خصائصه الجنسية متضحة المعالم عند ولادته، فتم تصنيفه كأنثى والحال انه يتصف بجميع مقومات الذكورة، كما عاينت المحكمة ان مطلب تغيير الجنس في وثائق الحالة المدنية ليس ناتجا عن نزوة شخصية او تدخل طبي وانما هو قائم على وجود تغيرات طبيعية في الملامح الفيزيولوجية للطالب و لذلك استجابت لطلبه.

ويبدو ان نفس هذا الموقف نسجت عليه المحكمة الابتدائية بقفصة في حكمها المؤرخ في 12 فيفري 2007 تحت عدد 54406 مميزة بين وضعية اختلاط الجنس  ( l’intersexualité) حيث يكون الشخص منذ ولادته غير محدد الملامح الجنسية نظرا لعيب خِلقيّ فيه ويكون من حقه اصلاح هويته الجنسية بعد توضح معالمها، ووضعية تحول الجنس ( le transsexualisme ) وهي صورة الشخص الذي تكون هويته الجنسية غير ملتبسة عند ولادته لكنه بمرور الزمن يحس بانجذابه للجنس الآخر وميله له فيكون من ناحية تركيبته الجنسية ذكرا لكنه يشعر انه ينتمي الى الاناث أو العكس. ورأت المحكمة ان تغيير الحالة المدنية يكون جائزا في الصورة الاولى وغير مقبول في الثانية.

ومع ذلك فقد كان للمحكمة الابتدائية رأيا آخر مؤخّرا، اذ طرح عليها مجددا السؤال المتعلق بمعرفة إن كان باستطاعة الشخص الذي يعمد اراديا الى تغيير هويته الجنسية بفضل التدخل الجراحي، ان يطلب تحوير عناصر حالته المدنية؟ وكان جواب المحكمة هذه المرة بالقبول . وفعلا فقد قضت هذه المحكمة بتاريخ 9 جويلية 2018 بتغيير جنس المدعية واعتبار ها من جنس الذكور عوضا عن جنس الاناث وتغيير اسمها من "لينا" الى "ريان" والاذن لضابط الحالة المدنية بالتنصيص على ذلك برسم الولادة. وأسست المحكمة موقفها على فكرة "الضرورة" المستمدة من القاعدة الاصولية القائلة بأن "الضرورات تبيح المحضورات"، إذ لاحظت ان المريضة القائمة بالدعوى قد بذلت منذ ان كان عمرها اثني عشر سنة كل ما في وسعها للتكيف مع حالتها الجنسية الا انها اصيبت بانهيار حينما ظهرت عليها علامات البلوغ وعجزت عن العلاج النفسي وانتهى بها المطاف الى محاولة الانتحار. وتقتضي الضرورة في رأي المحكمة المحافظة على حياة المدعية وتفادي الضرر الناتج عن محاولتها الانتحار  مستنتجة أن اقدامها على اجراء تدخل جراحي لإزالة زوائد الانوثة الظاهرة على جسدها هو امر مشروع ومبرر ولا مانع على هذا الاساس من قبول طلبها تغيير حالتها المدنية.

 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire